النقاش خرج عن إطار نوعية الموقف الروسي تجاه دمشق، أو حتى قدرته على الثبات ومواجهة الضغوط الدبلوماسية في ظل ظروف داخلية روسية تسبق الانتخابات الرئاسية، فهناك وضع استراتيجي دولي يضع موسكو مع دمشق على خط واحد، ولكن هذا الأمر لا يحمل معه أيضا بيئة الحرب الباردة، حيث لا يمكن تجميد الواقع السوري، أو أي واقع سياسي آخر، عند حدود الخطوط الحمر التي تبدو اليوم مختلطة، فهي تُرسم اليوم على إيقاع المعركة السياسية في مجلس الأمن.

عمليا فإن كافة القوى الدولية تملك أوراقا تحاول رميها داخل سورية، وهي أيضا تعرف أن الوصول لقرار حاسم داخل مجلس الأمن أمر غير متوقع في اللحظة الراهنة، وفي المقابل "الصفقات" السياسية ستحمل "جهة خاسرة"، لأن القوى الغربية استبقت المعركة السياسية الحالية بمطالبة الرئيس السوري بالتنحي، ملغية بذلك هوامش المناورة لأي صفقة ممكنة، وربما تجاوزت كل من واشنطن وباريس احتمالات انتقال المعركة في سورية إلى معركة دولية حول الشرق الأوسط، ووقف في معسكر ضد آخر وهو ما يجعل أي مساومة ضمن إطار شروط استثنائية.

هذا الوضع لم يطل فقط أمد المعركة في سورية، بل أيضا جعل أزمتها مركبة خارجيا ومعتمدة على تسوية ملفات كثيرة خارج حدود الحدث السوري، فكيف يمكن لموسكو وهي التي اقترحت القيام بحوار على أراضيها بين الأطراف أن تجعل من حلها ممكنا؟ وربما علينا تذكر أمر أساسي أيضا أن مثل هذا الحل سيخدم حتى معركة فلادمير بوتين الانتخابية لأن حل مثل هذه الأزمة سينعكس على العديد من الملفات السياسية التي يتعامل معها الكرملين.

الواقع أن مجلس الأمن في جلسته المفتوحة لم يعط أي اعتبار للطرح الروسي بشأن الحوار، وهو مؤشر بأن المعركة السياسية مستمرة، والاشتباك الدولي يبحث عن شروط خاصة تندرج ضمن:

أولا – الرهانات الغربية حول "التداعي السوري" بشكل تلقائي، فطول الأزمة باعتقاد بعض الأطراف سيؤدي لانهيارات داخل بنية الدولة والمجتمع، فاحتدام المعركة الداخلية اليوم ليس بعيدا عما يجري داخل أروقة الأمم المتحدة، وعودة "رياض الأسعد"، زعيم ما يسمى الجيش السوري الحر، للتصريحات الصحفية يؤكد أن مسألة التصعيد والعنف هي شرط أمريكي لعمليات التداعي المفترضة داخل بنية الدولة السورية.

ثانيا – الرهانات الروسية على أن خطوط الإمداد اللوجستي الغربية لسورية لا يمكن أن تستمر للأبد، وهي آنية أكثر مما نعتقد، فموسكو قادرة على الضغط على دول الجوار الجغرافي وعلى الأخص تركية بحيث لا تصبح "باكستان الثانية" أو قاعدة خلفية للحرب ضد سورية كما حصل في أفغانستان غداة إخراج السوفييت منها, وبالتأكيد فإن هذا الرهان ظهر واضحا في الانكفاء التركي الحالي، وهو أمر قابل للتطور على إيقاع الحدث، لكنه في المقابل لم يأخذ موقعه كاملا من المعادلة الإقليمية، وتركية لم تغلق حدودها بالكامل تجاه المسلحين.

ثالثا – الرهانات المترددة لبعض دول المنطقة بما فيها دول الجامعة العربية، التي تحاول التعامل مع الموضوع دون التورط فيه بشكل مباشر، فدول الجوار مثل العراق والأردن تعي تماما نوعية التداعي الذي يمكن أن يحدث في حال حدوث انهيار ما في سورية، بينما ينقسم لبنان على نفسه وتشكل بعض مناطقه جبهة خلفية للمتمردين.

الاطمئنان للموقف الروسي لا يعني أن الأزمة أصبحت ضمن إطار التحكم، فهي ما تزال ضمن إطار التصعيد، وذلك بغض النظر عمن هو الأقوى في المعركة المحتدمة اليوم، لأن ما يريده البعض هو إنهاك للدولة بانتظار حدوث انهيارات فيها، وإثارة بعض المشاكل "الطرفية" إن صح التعبير يشكل سمة المعركة التي بدأت عشية انعقاد مجلس الأمن قبل يومين.