بالتأكيد لن تكون فرضية رياضية، لكنها أقرب إلى "رسم" يحاول كسر مفاهيم التحليل السياسي الذي يتحدث عن "مؤشرات" و "تصريحات"، ففي الحدث السوري هناك ما يشبه البحث في "مجال" مختلف لا يحتوى أيا من العناصر المألوفة، والعمل داخل هذا الحدث بعد أكثر من عام ونصف ينقلنا إلى مجال المصادفة وربما ساحة البحث عن العوامل المجهولة، فهل استخراج هذه العوامل (x) هو ضرب من المستحيل؟!

مع بداية عام 2011 كان الجميع مقتنع أن الأمور مكشوفة لدرجة الفضيحة، فهناك إعلام يلاحق الحدث، وكانت سورية تشكل مشاهد متلاحقة على الفضائيات و أخبارها تتماهي مع "التغريدات" على التويتر، وتحولت السياسة إلى نوع من "إقرار الحقائق" بدلا من تحقيق المصالح، فهناك ملاحقة لهذا "الكشف" في الحدث السوري الذي أراد البعض صادما فهل كنا بالفعل مصدومين أو نتعرف على جغرافيتنا لأول مرة؟!

تركزت الجغرافية داخل المشهد التلفزيوني وذلك في تناقض صارخ مع وعي مختلف لها، فما يعرفه السوري عن الاستبداد والقمع أصبح له امتدادات، ولم تعد المسألة مرتبطة بسياسة معينة أو بوصف لـ"نظام" سياسي بل شكلت نفسها كحدث آني داخل "شريط" مصور أصبح على امتداد الأيام شكلا مألوفا للتعرف على "سوريتنا" وعلى مكوناتنا الاجتماعية، وفي المقابل فإن باقي وسائل الاتصال المعاصر أصبحت مركز "الاستقطاب" و "العصبية" لمختلف الشرائح، فعبرها كانت كافة الملامح تتشكل بسرعة، ومن خلالها كانت بيئة "الوعي" بالأزمة تتكون، وهي نفسها مجال صراع عنيف لأكبر شريحة سورية لم تشارك في صنع الحدث منذ بدايته وحتى اللحظة.

جغرافيتنا أصبحت تتماوج مع وسائل الاتصال، ووعينا بذاتنا تشكل على مساحة "التواصل الاجتماعي" والشبكات التي جعلت "المعارضة" فعلا مناهضا يوازي معادلة بعدد من "المجاهيل" تفرضها طبيعة التعامل مع تلك الشبكات عندما تصبح محورا لتشكيل العمل السياسي ولخلق معرفة مختلفة عن "مرحلة الاستبداد"، ففي الساحة الافتراضية تتزايد العوامل "المجهولة" كلما انغمسنا أكثر، وتصبح "الأنشطة المعارضة" سحابة لا تملك موطنا واضحا أو هوية قادرة على جذبها نحو فعل منتج، فهل علينا أن نندهش بعد ذلك من انتشار المعارضة في الخارج؟ أو من كون "المعارضة الخارجية" اصطلاحا أكثر قدرة على التعامل مع انعدام الأرض والتوازن.

من الجغرافية التي تبلورت وفق وعي لا يستند لأرض محددة كانت الأزمة السورية ظاهرة فريدة، فعندما يُعاد بناء العقل وفق شريط فيديو أو "تغريدة" أو "تفاصيل" على الجدار الافتراضي للفيس بوك، فإننا "ننحت" أنفسنا على افتراض مذهل يحول "x" كمتغير أولي، و "y" كمجهول إضافي، وفي السياق سنرتفع للدرجة الثانية أو الثالثة في تلك المتغيرات إلى أن نصل إلى مستوى "الاضطراب" الذي يُغرق العالم الواقعي ويجعل النشاط المعارض برامج لمن يرغب في المشاهدة.