حاول وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، تبديل المعطيات الاستراتيجية للصراع في سورية، وقدم مشروعا يحمل الكثير من الشراكة، وبغض النظر عن إمكانية تحقيق هذا المشروع لكنه في واقع الحال يعبر عن تصور مختلف لحلول الأزمة السورية التي تراها الخارجية الروسية، وفق تصريحات لافروف، مرتبطة بواقع جديد فلا ديمقراطية أو إلغاء للاستبداد دون التفكير بالتهديد الوجودي لسورية مع وجود الإرهاب.

عمليا فإن تصريحات وزير الخارجية الروسي تستبعد ثلاث امور أساسية في عملية الخروج من الأزمة السورية، الأول هو الصراع بين المعارضة والسلطة فما يحدث في سورية اليوم لا يتعلق بهذا الصراع حتى ولو ظهر فرز سياسي أو تعاملت الأطراف بشكل عنيف، فالهدف الاستراتيجي هو إيقاف "الإرهاب" الذي لا يملك هوية سورية لأنه ظاهرة دولية.

والأمر الثاني هو نوعية "المحاصصة" في المرحلة الانتقالية، لأن أي حكومة في تلك الفترة مبنية على مشروع محدد مرتبط بمكافحة الحالة القائمة داخل سورية، فمهام مؤتمر جنيف القادم ستكون البحث عن آليات المرحلة الانتقالية التي ستساعد على وقف تدفق الإرهاب ومنع تحول كامل الأرض السورية إلى قاعدة للجهاديين، بينما يستبعد لافروف أيضا، كأمر ثالث، في تصوره إمكانية أي حل ديمقراطي وفق سياق سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار أن هناك تحولات على مستوى الجيوبولتيك تجتاح سورية، فالصراع يبدو في أفقه أبعد من تشكيل حكومة أو تعديل دستور، بل الحفاظ على الوجود السوري بمكوناته التي عليها أن تحارب الإرهاب.

التصور الروسي لم يظهر فقط في تصريحات لافروف، بل أيضا في محاولات الحوار المستمرة مع الأطراف السورية كجزء من رسم تصورات الحل بعد أن أصبح العامل الأصعب هو إيجاد توافق بين الأطراف حول رؤيتهم لسورية المستقبل، ويمكن اعتبار ما طرحه لافروف استباقا على كافة القوى السياسية السورية التي لم تدرك حتى اللحظة أنها ضمن إطار "حرب وطنية"، فهي مشغولة بإيجاد توافقات في التفاصيل، وبتصنيف المساحة السياسية المتبقية داخل سورية على أساس برامج الإصلاح أو التغيير الشامل للنظام السياسي.

هل علينا أن ننسى الحوار اليوم؟ سؤال بات مطروحا مع سيناريوهات أمريكية مطروحة للبحث وليس للتنفيذ، بشأن التدخل في سورية، ومع احتدام الصراع بين فصائل التمرد المسلح، ووصول الملف السوري إلى أروقة "مجلس الأمن" في حوار متوقع له أن يتم بحضور "المعارضة" في الخارج، فالحوار اليوم هو بشروط مسبقة يمكن أن تحددها الدول الكبرى، ويمكن أن يفرضها اعتبار الأرض السورية جغرافية للإرهاب.

ومهما كانت الاتهامات حول من أوصل الوضع إلى هذه النقطة، لكننا يمكن أن نفهم الأسئلة الحدية التي تواجه القوى السياسية، في المعارضة أو السلطة، للتعامل مع هذا الواقع، وهناك أربع مسائل أساسية تظهر بقوة على مساحة التعامل مع الأزمة:

 الأول هو إصرار واشنطن على أن الدولة السورية ستنهار، وهذه استراتيجية ولست تصور، فطرح سيناريوهات لمسألة التدخل العسكري، يعني في النهاية أن البيتاغون جهاز لهذا الاحتمال الذي يبدو وحيدا في "انكفاء" أمريكي عن البحث والضغط لوقف تدفق الإرهابيين، والقوى السياسية في سورية بهذا المعنى هي في حالة حرب للحفاظ على الدولة وعلى الوجود السوري.

 الثاني دعوة لافروف لكافة القوى السورية كي تعمل على مشروع أساسي هو طرد الإرهابيين، فهو بذلك يمحو كل المسافات السابقة ومحاولة إيجاد توافقات وربما يضع السوريين في زمن جديد لا يحوي حربا أهلية، بل أيضا حربا وطنية بكافة المعايير بغض النظر عن بداية الأزمة وتطوراتها السابقة.

 الثالث هو البنية السياسية لسورية القائمة اليوم، افتراضيا، على أحزاب وقوى معارضة وتحالف سياسي في السلطة، وهي بنية حتى اللحظة لم تشكل مسارها الجديد وبقيت في إطار التنافس الإعلامي في وقت تأخذ الحرب مساحة واسعة من سورية ومن حياة مجتمعها، والاختلافات الجوهرية بين هذه القوة لا يمكن حسمها فهي جدل بيزنطي لمراحل ما بعد الأزمة، بينما ممكن لكافة القوى اعتبار أن هناك واقعا لابد من التعامل معه لكي نبقى كياتا ساسيا يسمى سورية قبل الاختلاف على تصرفاتنا الحالية أو السابقة تجاه الأزمة.

 أخيرا فإن ما يحدث في هذه اللحظة يخرج عن التصورات، فهناك ضرورة لوضع استراتيجيات ما يمكن أن نسميه "حربا وطنية".

انتقلت سورية من مرحلة تصادم الاستراتيجيات بين القوى العظمى إلى مرحلة الرهان النهائي على من سيبدأ الحرب، بينما يخوض السوريون حربا فعلية وربما كانت تصريحات لافروف اتجاها يمكن أن ينبني عليه واقعا سياسيا جديدا فتظهر سورية استنادا لمشروع عملي بدل من البقاء في صراع سياسي افتراضي لأبعد الحدود.