امس بدأت ولاية مجلس النواب الجديد. وامس ايضا صارت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في حكم المستقيلة. والاسبوع المقبل ينتخب النواب الرئيس الجديد لمجلسهم. وبعد ذلك يجري العمل لتأليف حكومة جديدة. واذا كانت كل المعطيات المتوافرة اليوم عند جهات سياسية وحزبية واعلامية كثيرة تشير الى ان رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته نبيه بري سيكون رئيسا للمجلس الجديد لاعتبارات كثيرة متنوعة، فان شخصية الرئيس الذي يفترض ان يكلف تأليف الحكومة الجديدة بعد استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية العماد اميل لحود لا تزال غير معروفة رغم ان الاوساط السياسية والاعلامية تتداول عدداً من الأسماء ابرزها ثلاثة: الاول، الرئيس المستقيل حكما نجيب ميقاتي. والثاني، زعيم تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري. اما الثالث، فقد يكون احد اعضاء كتلة "المستقبل" او احد حلفائها وقد يكون السبب الابرز لحصر الاسماء المتداولة لرئاسة الحكومة بالكتلة المذكورة او بحلفائها انهم يشكلون معا الغالبية المطلقة في مجلس النواب.

اي من هؤلاء سيتربع على كرسي الرئاسة الثالثة في السرايا؟

الجواب عن ذلك ليس سهلا. لذلك لا بد من الاستعاضة عنه بشرح الواقع السياسي الراهن الذي قد يكون له تأثير في عملية اختيار الرئيس المقبل للحكومة. هذا الواقع يشير اولا الى ان النائب سعد الحريري هو المؤهل الاول لتأليف الحكومة، لكنه يشير في الوقت نفسه الى جملة امور قد تعوق ذلك. منها حاجته الى مزيد من الخبرة في العمل السياسي وتاليا في العمل النيابي هو الآتي حديثا وعلى نحو مفاجىء الى هذا العمل بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. طبعا، اثبت الحريري الابن منذ تولى القيادة السياسية لآل الحريري «تيار المستقبل» انه يملك «قماشة» السياسي ومعها «قماشة» الزعامة. واثبت ايضا ان عنده قابلية للتعلم والتقدم بسرعة. لكن ذلك لا يلغي حقيقة ضرورة اكتسابه المزيد من الخبرة و«العلم» ولاسيما في ظل اطمئنانه الى قدرته على الوصول الى رئاسة الحكومة في وقت لاحق والتي توفرها له قوته النيابية الكبيرة وقوته الشعبية الكبيرة وخصوصا بعد اضافة القوة النيابية والشعبية لحلفائه اليها. ومن الامور التي تعوق وصول الحريري الشاب الى السرايا الحكومية استمرار رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في موقعه وهو المطالب مع حلفائه باقالته او باستقالته نظرا الى السلبية التي تعاطى بها مع الشهيد رفيق الحريري ونظرا الى المسؤولية عن اغتيال الاخير التي يحمّلها اياه نجل الشهيد وجهات سياسية وشخصية متنوعة مباشرة كانت هذه المسؤولية او غير مباشرة. اذ في ظل الاستمرار المذكور لا يرى كثيرون ان هناك فرصة او امكانا للتعايش بين لحود والحريري الابن. ومن شأن ذلك اصابة الدولة بالشلل او بالاحرى جعل شللها دائما باعتبار انها مشلولة من زمان. وذلك مكلف جدا في مرحلة انتقالية صعبة جدا بل خطيرة كالتي يجتازها لبنان.

انطلاقا من ذلك يرجح الواقع نفسه الى ان يرشح او ان يسمي كتلة «تيار المستقبل» والكتل الحليفة لها نائبا منه ليتربع على سدة الرئاسة الثالثة قد يكون نائب بيروت بهيج طبارة. والذي يدفع الى هذا الترجيح الخبرة السياسية والادارية العتيقة التي يملكها طبارة سواء من خلال توليه الوزارة اكثر من مرة حليفا للحريري الشهيد او من خلال عمله معه اثناء ابتعاده عن الحكومة. والذي سيدفع اليه ايضا الثقة بطبارة التي كانت عند الحريري الوالد والتي انتقلت الى نجله النائب الجديد. وبثقة من هذا النوع يستطيع ان يطمئن النائب الشاب الى ان حكومة لبنان ستتابع التحقيق الدولي الجاري لاكتشاف قتلة والده وسوقهم امام القضاء، مع الاشارة هنا الى ان هذه المتابعة كانت وربما لا تزال احد ابرز المبررات التي يعطيها مطالبو سعد الحريري بتأليف الحكومة الجديدة في داخل كتلته والقريبين منه ومنها.

الا ان الواقع اياه يشير الى ان تكليف الرئيس المستقيل حكما نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة ليس مستبعدا ويجب الا يكون مستبعدا وخصوصا في ظل استمرار ازمة الرئاسة الاولى اذا جازت تسميتها على هذا النحو معلقة او في حال تفاقمها. ويبدو ان تفاقمها هو المرجح وخصوصا بعدما ضربت ايدي الغدر مرة ثانية صباح امس الامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي فاردته "شهيدا" ويضاف الى سلسلة الذين استشهدوا حتى الآن والذين جرت محاولات "لاستشهادهم" وبعدما صار واضحا ان مسلسل الاغتيال لم ينته بعد ولا يعرف احد اذا كان سينتهي او لا.
وفي حال كهذه يمكن ان تكون مهمة ميقاتي مع رئيس الجمهورية رئيسا لحكومة جديدة اسهل من مهمة اي رئيس غيره. اما الاسباب فهي كثيرة منها تجربة التعايش الناجحة بين الرئيسين على مدى نحو شهرين. مع الاشارة هنا الى ان نجاحها قد تكون فرضته عوامل متنوعة مثل العين الدولية والعين الاقليمية المراقبتان لبنان والساهرتان عليه وحاجة الرئيس لحود الى اخذ نفس بعد الاخطار السياسية التي تعرض لها والتي كادت ان تكلفه موقعه وما هو اكثر من موقعه، علما ان هذه التكلفة قد تكون لا تزال امامه. ومنها ايضا مرونة ميقاتي وحصوله على دعم عربي ودولي فضلا عن المحلي مكّنه من اداء مهمته على النحو المطلوب. ومنها ثالثا خبرته السياسية واقترابه من الحريري الشهيد في كثير من المواقف التحديثية.

طبعا، لا يمكن اغفال وجود شخصيات اخرى يمكن ان تترأس الحكومة الجديدة. لكن لا يمكن في الوقت نفسه اغفال حقيقة مهمة هي ان اي شخصية اخرى لا بد ان تحظى قبل ذلك بتبني كتلة «المستقبل» النيابية وحلفائها. الا ان كل ذلك لا يلغي ويجب الا يلغي حقيقة مهمة وهي ان مهمة ميقاتي اليوم اذا كلف او غيره لن تكون سهلة. فالرئيس اميل لحود والذي "شرب حليب السباع" كما يقال بعد انقسام المعارضة اثر عودة العماد ميشال عون من منفاه وعلى يده بكل "فخر" وبعد تحالف حلفاء له معه «اي عون» في الانتخابات النيابية وبعد رفض البطريرك الماروني استقالته او اقالته بالتحركات الشعبية التي قد تجر الى فتنة وبعد تمسكه بالتفاهم على بديل منه مقبول من الجميع. وصار يعلن اصراره على اكمال ولايته حتى اخر يوم منها. وفي جو كهذا فانه قد يختلف مع الرئيس المكلف اثناء تأليف الحكومة اذ قد يصر على توزير اشخاص له او على استبعاد اخرين عنده. وليس في الدستور اي مادة او حتى اي «سطر» يعالج اختلافا كهذا الامر الذي قد يتسبب بازمة وزارية كبيرة وخطيرة وقد يعيد فتح معركة الرئاسة الاولى من اوسع الابواب وربما من ابشعها.

مصادر
النهار (لبنان)