الكلام عن الانسحاب الاميركي لا يعني العراق هذه المرة، ولا يصدر عن صفوف المقاومة الداخلية. انه خطاب رسمي صادر عن تحالف اقليمي قوي ناشىء، و يعني القوات الاميركية في اسيا.

اهي عدوى العراق، ام بتعبير اخر الفرصة السانحة التي اتاحها المازق الاميركي في العراق؟ ام هي طبيعة اللعبة الدولية وتوازن القوى وصراع المصالح الذي لا يمكن ان يستقر على هيمنة واحدة؟
منظمة تعاون تشنغهاي المعروفة باحرفها لاولى “OSC” والتي انشئت عام ،1999 تطالب في ختام اجتماعها في استانا امس بتحديد موعد نهائي للانسحاب الاميركي من اسيا، والمقصود باسيا تحديدا هو افغانستان والقواعد الاميركية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ويبرر البيان الختامي الامر بوضوح : «بما ان التهديد الارهابي قد انتهى فان دول المنظمة تعتبر انه اصبح من الضروري ان يحدد المشاركون في التحالف موعدا نهائيا للانسحاب الاميركي».

اذا كان الجميع يعرف ان هدفا اساسيا من اهداف حرب افغانستان كان التواجد الاميركي في قلب اسيا وعلى حدود الصين وروسيا، القوتين اللتين يمكن ان تهددا مستقبلا احادية الهيمنة الاميركية، فان ما من عاقل يمكن ان يظن ان هاتين القوتين ومعهما المحيط الاسيوي يمكن ان تستسلما نهائيا لظروف فرضها سياق المرحلة الدولية خلال حرب افغانستان.

ذلك ما كان يدركه المسؤولون والاستراتيجيون الاميركيون انفسهم، وما لم يخفوا ادراكهم له، فقد كتب كولن باول صراحة عام 1999 يقول «اننا نحتاج الى العراق ومنطقة الخليج العربي في المواجهة الاستراتيجية المقبلة مع اسيا وروسيا».

وقالت كونداليزا رايس «ان امام روسيا خمسين سنة لتستعيد موقعها كقوة عظمى، وهذا هو الوقت الذي يمكننا التحرك فيه لضمان هيمنتنا».

غير ان ما انتبه اليه باول، لم تنتبه اليه رايس وسائر اعضاء الفريق المحافظ، فقد كان الاول يعارض الحل العسكري في العراق عام 1991 ذ رغم انه انصاع لقرار الرئيس ذ وذلك لان هدا الحل سيؤدي برأيه الى : «تنامي الكراهية لاميركا، وصعود الاصولية الاسلامية في منطقة ما زال يسيطر عليها ايات الله».

نبوءة باول تحققت بحذسافيرها، وليس المآل الايراني الاخير الا تتويجا لها، علما بان الامور لم تكن تحتاج الى نبوءة لتوقع ذلك.
وعليه فقد عمدت الصين الى تاسيس مجموهة شنغهاي عام 1999 كمجموعة للتشاور، وها هي تتطور لتاخذ اليوم شكل منظمة اقليمية تضم الى جانب روسيا والصين كلا من كازاخستان، اوزبكستان، وطاجاكستان، وقد جاء حضور ايران الدورة الاخيرة بصفة مراقب ليضيف بعدا جديدا لهدا التحالف الاسيوي. بعدا لم تلبث ان حدرت منه دوائر الثينك ثانغ الاميركية مطلقة عليه اسم : محور طهران ذ بكين ذ موسكو، كما جاء التزام المجموعة في البيان الختامي بالتعاون المتنامي حول ثلاث نقاط : الامن الاسيوي، اصلاحات الامم المتحدة والموضوع النووي في كوريا، ليرسم الخطة الاقليمية لهذا المحور، الذي حدد في تفاصيله التزاما لصالح الصين بموضوع تايوان، وبمبدا عدم التدخل، وبالاستقرار على الحدود.

هكذا بدا ان دول المنظمة الناشئة قد انتقلت الى فصل جديد بلغت فيه مرحلة الثقة من نفسها التي تجعل من هذا الاجتماع، ومن بيانه الختامي، الاجتماع التحضيري لزيارة كونداليزا رايس المرتقبة الى بكين في نهاية الاسبوع، حيث يتوقع ان تنقل اليها العاصمة الصينية هذه المطالب.

وبدأت تتكرس بكين ايضا عاصمة وقائدة لهذا المحور الجديد الذي وجدت جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة الثلاث ان الانضمام اليه افضل لها من القواعد الاميركية ومن صندوق النقد الدولي، وذلك بفضل اغراءات الاستثمارات الصينية والكورية، من جهة، وبتاثير التدخل السياسي الاميركي في الجمهوريات الجارة الاخرى.

غير ان هذه المحاولة كلها لم تكن ممكنة لولا المقاومة العراقية، فهناك في بغداد سيتقرر ما ادا كان العراق الذي ارادته واشنطن عصاة تكسر بها رجل الاخرين سيكون كذلك فعلا ام سيتحول الى عصاة تكسر رجلها هي وتحمي من حولها، من ايران الى الصين.