اثار اقتراح الرئيس المصري حسني مبارك عقد قمة عربية موسعة بعد الاعتداء الارهابي الذي تعرضت له بلاده في شرم الشيخ قبل اسابيع ردود فعل متباينة عن الدول العربية. بعض هذه الدول اعتبر أن مبارك اراد باقتراحه اصابة عصفورين بحجر واحد. الاول محاولة استنهاض الامة العربية لمواجهة الارهاب الاسلامي المتفاقم الذي لن يوفر أياً من الدول العربية كلما سنحت له الفرصة. ومن شأن هذا الأمر زعزعة الاستقرار فيها من امني وسياسي واقتصادي ووضعها على طريق المجهول. والآخر محاولة توظيف القمة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في مصر الشهر المقبل والتي رشح مبارك نفسه فيها للمرة الخامسة ولكن في ظروف سياسية وشعبية غير ملائمة له ربما للمرة الأولى منذ توليه السلطة بعد اغتيال سلفه الرئيس أنور السادات. والتوظيف يمكن ان يتحقق من خلال امرين متكاملين.

الأول، حصول مصر بقيادة مبارك طبعاً على تأييد عربي تام. والآخر اقتناع المصريين أو محاولة اقناعهم بأن الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر وسائر الدول العربية تقتضي عدم دخول مغامرة التغيير لأن الاستقرار الناجم عن الوضع القائم فيها قد يبقى افضل من اللااستقرار الذي قد يتسبب به التغيير رغم سلبيات الاستقرار هذا. والبعض الآخر من هذه الدول كان يفضل قمة مصغرة تضم "دول الطوق" والدول العربية الكبرى ذات التأثير الواسع في محيطها والعالم أي سوريا ومصر والسعودية والاردن وربما لبنان. وسوريا على ما نقل اكثر من مصدر مطلع كانت مع هذا الخيار ومن أبرز المنظرين له، وواضح من ذلك ان سوريا كانت تسعى الى ان تواجه بواسطة هذه القمة أولاً التحديات التي تعرضت لها في لبنان منذ 26 نيسان الماضي موعد انسحابها العسكري والامني منه تنفيذاً للقرار الدولي رقم 1559 وثانياً التحديات التي قد تتعرض لها بسببه وابرزها انهاء لجنة التحقيق الدولية المكلفة البحث عن قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه عملها في ظل تسريبات دولية وغير دولية تشير الى مسؤولية سورية ما عن هذه الجريمة، وثالثاً تحديات المواجهة التي تخوض مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والتي تقود سواء لاسباب تتعلق بالعراق او بالمنظمات الفلسطينية القومية والاصولية التي تحظى برعايتها وحمايتها. اما البعض الآخر من الدول العربية فكان اكثر ميلاً الى عدم الدعوة الى عقد قمة عربية وخصوصاً اذا كانت موسعة. وتشير المعلومات المتوافرة لدى عدد من المصادر الديبلوماسية العربية المطلعة الى ان دول المغرب العربي كانت من اصحاب هذا الرأي. اما اسبابها ودوافعها الى ذلك فكثيرة. منها شكلي وقدمته الجزائر الرئيسة الحالية للقمة التي اعتبرت ان انعقاد القمة في شرم الشيخ او في مصر عموماً مخالف للأصول و"القوانين" التي تفرض انعقادها على ارضها. ومنها جوهري ويتعلق باقتناع دول "مغاربية" عدة ان القمة العربية يجب ان تضم كل دول العرب بدءاً بالمشرق وانتهاء بالمغرب القريبين لكن الاهتمام الفعلي بها تركز دائماً وهو يتركز اليوم ويتركز في القمة اذا انعقدت على قضايا "المشارقة".

اما "المغاربة" فان الاهتمام بمشكلاتهم وقضاياهم لم يكن قط على "اجندة" او بالاحرى روزنامة عرب المشرق. طبعاً تعترف هذه الدول بأن أكثر المشكلات العربية تعقيداً واحياناً استعصاء على الحل تتعلق بالمشارقة العرب واهمها منذ خمسة عقود قضية فلسطين. وتعترف بأنها مشكلة للعرب جميعاً بل للمسلمين في كل أقطارهم. لكنها تلفت في الوقت نفسه الى مشكلة اخرى تهمها بمقدار ما تهم "المشارقة" وهي الارهاب وخصوصا بعدما صار عنوانه في هذ المرحلة اسلامياً. كما تلفت الى مشكلات مهمة لها لم تسع يوماً اي دولة مشرقية ولا سيما الكبيرة منها وذات الاتصالات الدولية الفاعلة الى المساعدة في حلها الأمر الذي دفعها (اي دول المغرب) الى الاتجاه الى المجتمع الدولي لحلها او الى الدول الكبرى والعظمى في الغرب. من هذه القضايا الصحراء الغربية بين دولة المغرب و"جبهة البوليساريو" التي انتجت مشكلة أخرى صعبة ومزمنة ومزعجة بين المغرب والجزائر.

طبعاً، أرجأت وفاة العاهل السعودي السابق الملك فهد بن عبد العزيز في اول آب الجاري القمة التي دعت اليها مصر حسني مبارك. لكنها لم تلغ بعد. علماً ان عدم حماسة معظم الدول العربية لها قد يجعل الإرجاء الى أجل غير مسمى. فضلاً عن ان موجه الدعوة سينشغل جداً في انتخاباته الرئاسية بدءاً من 17 آب الجاري موعد افتتاحه حملته الانتخابية التي ستستمر شهراً. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون من مواطني الدول العربية هو:

هل كانت ستحقق القمة ما عجزت القمم السابقة عن تحقيقه؟ والجواب عنه ودائماً استناداً الى التجارب السابقة هو كلا. اذ باستثناء القمة التي استضافتها القاهرة اواخر عام 1976 والتي "أقر" الملوك والرؤساء العرب اثناءها حلاً للبنان، تبين لاحقاً انه كان جزءاً من المشكلة او اضاف اليها عوض أن يحلها، وباستثناء قمة بيروت التي انعقدت قبل سنوات قليلة والتي اثمرت مبادرة عربية للسلام في المنطقة انطلاقاً من أسس حل عادل لقضية فلسطين وازمة الشرق الأوسط — باستثناء ذلك لم تقدم القمم العربية حلولاً لمشكلات الدول العربية وشعوبها. علماً ان "النجاح" المشار اليه اذا امكن وصفه كذلك ما كان ليتحقق لولا مشاركات دولية مهمة بعضها كان منظوراً في حين كان بعضه الآخر مستتراً.

هل يعني ذلك التخلي عن القمة العربية التي صارت مؤسسة أو بالأحرى عن جامعة الدول العربية التي تشكل القمة المذكورة أرفع هيئة فيها؟

قد يكون الغاؤها أو التخلي عنها افضل من المحافظة عليها اذا استمر العرب على حالهم الراهنة. ففي ظلها انقسم العالم العربي بل تشرذم وتعززت "القطريات" واستَعْدَت الدول العربية بعضها بعضاً وتحاربت بالواسطة دائماً ومباشرة احياناً. علماً انها وفقاً للتصنيفات القانونية "كونفيديرالية" كان يفترض فيها تعبيد طريق الوحدة او الاتحاد او على الاقل التنسيق والتعاون الصادقين بين العرب وقد جعلها ذلك كله في رأي عدد من المسؤولين العرب وهماً ، وهي مكلفة بسبب الموازنات الكبيرة التي ترصد لها وغير منتجة لأنها لم تطلع يوماً، الا في ما ندر، بأي مشروع جدي او دراسة جدية يمكن بواسطتها تحقيق عدد من الاهداف العربية.

مصادر
النهار (لبنان)