بعد تردد طويل, دخل حلف ناتو في حرب اقتصادية ضد فلاديمير بوتين.

حظر الحلف منذ بداية العام على عدد من الشخصيات الروسية, والشركات الداعمة لبوتين, اجراء أي علاقات تجارية مع الغرب, في انتهاك واضح لمواثيق الأمم المتحدة, واتفاقيات منظمة التجارة العالمية. يأمل الحلف من هذه الاجراءات تشجيع القوى الاقتصادية الروسية المعادية للرئيس بوتين, كي تطيح به.

ولأغراض الدعاية (البروباغاندا) الخاصة به, أضفى حلف شمال الأطلسي على أعماله العدائية صفة "عقوبات", علما أن العقوبات لاتتخذ إلا في أروقة الأمم المتحدة على أثر اتهامات محددة, ونقاش علني.

وفقا لكل الاحتمالات, فإن العقوبات الأطلسية أثارت حالة من الذعر في أوساط عدد من الارستقراطيين الروس, الذين عمدوا إلى نقل رؤوس أموالهم خارج البلاد. الأمر الذي أدى إلى تراجع في أسعار النفط – لأن سوق النفط هي سوق مضاربات بالأصل- وهبوط في سعر صرف الروبل.

كيف يمكن لروسيا أن ترد على ذلك ؟

فقط عبر الاستسلام, حسب الاستراتيجيين في حلف شمال الأطلسي. أو عبر "سياسة الأرض المحروقة" وفقا لتاريخ روسيا.

لكن ماهي حقيقة الأمر؟

حين اجتاحت فرنسا في عهد نابليون, وألمانيا في عهد هتلر, روسيا, عمدت الأخيرة في كلتا المرتين إلى اتلاف كل ثرواتها كي لاتستفيد منها القوات المعتدية. كانت روسيا تفسح المجال للغزاة باختراق أراضيها بسهولة مخلية لهم المكان بالفرار نحو الشرق الأقصى كي يتعمق الغزاة في الانتشار داخل البلاد, وحين يتم لهم ذلك, كانوا يلتفون عليهم من كل الجهات ويسحقون القوات الغازية.

بالطريقة الروسية نفسها, وقًع الرئيس فلاديمير بوتين اتفاقيات مالية وتجارية هائلة لثلاثين سنة قادمة مع الصين, حفظ من خلالها مستقبل بلاده, ثم أعقبها بعقد اتفاقيات اقتصادية ضخمة مع تركيا, كان لها وقع كبير في زعزعة توازن حلف ناتو.

وفقا للخبراء الروس, ليس بوسع واشنطن تحمل انخفاض سعر النفط إلى مستوى 60 دولارا للبرميل لأكثر من ستة شهور, في حين أن موسكو يمكنها أن تصمد لأكثر من ذلك.

بجرة توقيع من قلمه, تمكن فلاديمير بوتين من الالتفاف على العقوبات الأطلسية من خلال توظيف الاتفاقيات الموقعة سابقا بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لمصلحة بلاده. لاسيما أنه تسبب بخلق مشكلة عويصة داخل تركيبة الحلف نفسه حين جعل أحد أعضائه يأخذ مسافة بعيدة منه : أنقرة, هي في الوقت نفسه حليف سياسي لواشنطن, صارت منذ الآن حليفا اقتصاديا لموسكو. تصرف لم نشهد له مثيلا في السابق.

على الرغم من أن الأسلوب اللاأخلاقي الذي خرج بمقتضاه رجب طيب أردوغان من صراعه مع حلف ناتو بلعبة مزدوجة, إلا أن خيانته هذه حققت له نتائج ايجابية مذهلة. استشراسه ضد سورية طوال سنوات الأزمة, يمكن, على سبيل المثال, أن يتوقف فجأة, أملا في ايقاف المخطط الأمريكي الرامي إلى خلق دولة كردستان الكبير. فقد بات واضحا أن استقلال كردستان العراق سيفضي بلا أدنى شك إلى تفكيك تركيا.

ولينفد بجلده, وجد أردوغان نفسه بحاجة ماسة لروسيا.

فالمنطق الذي وضع أردوغان نفسه فيه, يفرض عليه أن يغادر المعسكر الحالي, وأن يتقارب من جديد مع سورية.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan 2039
(PDF - 156.1 كيليبايت)