تعيش العاصمة الاميركية كما سائر العواصم الغربية التوقعات نفسها التي يعيشها اللبنانيون منذ اللحظة الاولى التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتفاعلت في 14 آذار حول مسؤولية سورية ما في هذه العملية والتي تعززت أكثر بعد توقيف القادة الامنيين اللبنانيين الاربعة الذين كانوا مرتبطين بالاجهزة الامنية السورية على نحو عضوي. فسوريا متهمة حتى اثبات العكس وخصوصا بعدما حصر رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس استجواباته بلبنانيين وسوريين من دون سائر الاطراف المحتملين، مما رجح كفة هذه التوقعات وأعطاها صدقية أكبر في انتظار أدلة ثبوتية.

وتنقل مصادر ديبلوماسية في واشنطن عن مسؤولين اميركيين كبار ان لجنة التحقيق الدولية المستقلة في اغتيال الحريري بدأت تقترب اكثر فأكثر من اثبات الدور السوري في اغتيال الحريري. وعلى ذمة ما ينقل عن أحدهم في هذا الاطار تعليقه على هذا الدور بأن القيادة السورية السياسية العليا لم تكن على اطلاع على عملية الاغتيال انما وضعت في أجواء الخطة التي أعدت في اللحظات الاخيرة حين بات او غدا مستحيلا وقف التنفيذ. وعلى اساس ما هو متوافر للأميركيين حول مضمون التحقيق، فان هؤلاء يقولون ان استراتيجيا الادارة الاميركية في المرحلة المقبلة هي عزل سوريا اكثر فأكثر بعد النتائج التي سيعلنها القاضي ميليس وانها ستتجه الى فرض عقوبات جديدة على سوريا عبر الامم المتحدة في حال ثبوت ضلوعها في اغتيال الحريري.

ويكتسب استمرار التعاون الفرنسي – الاميركي في قضية لبنان أهمية كبرى علما ان التعاون لا يقتصر على الدولتين المعنيتين بل يشمل دولا اخرى من أجل تحديد كيفية التعامل مع الاتهامات التي قد تطول مسؤولين لبنانيين وسوريين ساهموا في التخطيط او في تنفيذ عملية الاغتيال. اذ لا تعتقد ادارة بوش، على ما تنقل المصادر الديبلوماسية المعنية، ان في قدرة القضاء اللبناني ادارة محاكمات قد لا تتعلق فقط بمتهمين لبنانيين بل بآخرين سوريين على الارجح، لذلك يتجه التفكير الى احتمالات اخرى على غرار المحاكمات في كمبوديا لـ"الخمير الحمر" الذين ارتكبوا مجازر جماعية.

وبالعودة الى الاجراءات التي يمكن ان تتخذها الولايات المتحدة ضد سوريا في حال ثبت ضلوعها في اغتيال الحريري يسود اقتناع بأن الادارة الاميركية قد اتخذت عقوبات كثيرة ضد سوريا الى الحد الذي يمكن القول انه لم يعد في امكان واشنطن القيام بالكثير على هذا الصعيد. لذلك ستستمر ادارة بوش في التمني على دول الاتحاد الاوروبي تعليق اتفاق الشراكة معها بالتزامن مع خطوات اخرى يجري الحديث عنها:

احدى هذه الخطوات على ما بات متداولا قرار جديد عن مجلس الامن الدولي يأتي مكملا للقرار 1559 ويدعو الى منع وصول الاسلحة الى لبنان باستثناء القوى المسلحة الشرعية. وهي تستسهدف الشحنات السورية الى "حزب الله" والفلسطينيين من جماعة احمد جبريل.

وفي حال اتفق على اصدار هذا القرار ولم يتغير الاداء السوري فان قرارا جديدا لمجلس الامن قد يكون محتملا من اجل عقوبات اضافية تتخذها الامم المتحدة وليس الولايات المتحدة وحدها.

إلا ان هذه التوقعات الاميركية لا تصل في الواقع الى حدود المخاوف اللبنانية نتيجة استخلاصات مماثلة قد يخلص اليها تقرير لجنة التحقيق الدولية في شأن دور سوري ما في عملية الاغتيال. فهذه المخاوف كبيرة ولا يعتقد ان تداعيات اتهامات تطاول مسؤولين سوريين على أي مستوى قد تكون أقل من التداعيات التي شهدها لبنان بعد توقيف القادة الامنيين الاربعة المشتبه في تورطهم او ربما قد يشهد منها المزيد لاحقا اذا طاولت التوقيفات اشخاصا آخرين بحيث لن يكون هناك أهمية في الواقع لأي قرارات جديدة عن مجلس الامن نتيجة لذلك وخصوصا ان وضع سوريا سيكون مفتوحا في هذه الحال على احتمالات مختلفة، ما لم تقف موقفا معاندا متشددا ومشككا في نتائج التقرير الدولي مما سيستدعي حكما مواقف دولية حاسمة في شأنها على غرار تلك التي صدرت حتى الآن.

حين كانت المشاورات جارية من أجل استصدار القرار 1559 قبل عام، حرصت مصادر ديبلوماسية عربية عدة على نصح لبنان وسوريا بتجنب دخول مجلس الامن الدولي لئلا يغدو الاثنان معا تحت المجهر الدولي على نحو دائم باعتبار ان من يدخل مجلس الامن لن يسهل خروجه منه. وقد صدرت خلال سنة واحدة قرارات عدة منها الـ1559 و1595 و1614 والحبل على الجرار وكذلك الامر بالنسبة الى سوريا.

هذا المنحى يحذر منه النائب وليد جنبلاط متخوفا من الاملاءات الغربية وما اعتبره وصاية السفارات ولو انه حصد بسبب ذلك عتبا من رؤساء بعثات ديبلوماسية في لبنان تهتم بالشأن اللبناني. وهو يعكس بذلك مخاوف من مجموعة استتباعات للقرار 1559 في وقت يبدو لبنان في مرحلة تاريخية حرجة من دون أي غطاء عربي اعتاده منذ الاستقلال على الأقل.

مصادر
النهار (لبنان)