لم ترافق زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون لدمشق الثلثاء اي توقعات ديبلوماسية لنتائج ايجابية محتملة، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون حول المحكمة ذات الطابع الدولي. ورغم إيلاء بعض المتابعة لما يمكن ان تكون سوريا سعت اليه بجهد في قطر ثم خلال زيارة بان كي – مون فيها من محاولة التفاف مسبقة على الموضوع، اثيرت احتمالات بسعي سوريا الى ابداء استعداد للتعاون عبر التوسط لدى حلفائها في لبنان من أجل تأخير بت المحكمة تحت الفصل السابع في مجلس الامن لاعطاء بعض الأعضاء في المجلس مبررات لمعارضة الاقرار العاجل للمحكمة. وهذا الأمر لا يخرج بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية متعددة في بيروت عن احتمالات ان تعمد سوريا الى "شيء ما" في اللحظة الأخيرة متى بدا لها ان اقرار المحكمة تحت الفصل السابع بات في حكم المؤكد بغية محاولة تأخير هذا الاقرار او السعي الى ادخال تعديلات جوهرية عليه، اذ ان المحاولة الاولى محدودة في الزمان، باعتبار ان الاقرار لا يرتبط فحسب بالمهلة الدستورية الوحيدة المتاحة في لبنان للسنة الحالية، بل ايضاً بحاجة الأمم المتحدة الى سنة او ما يقاربها من اجل انشاء المحكمة بالتزامن مع التمديد الأخير للجنة التحقيق الدولية سنة اضافية تنتهي في حزيران 2008. اما المحاولة الثانية فقد تنجح الى حد ما.

لكن المصادر الديبلوماسية تلاحظ ان سوريا لم تعد تحظى بأي ثقة دولية باحتمالات تعاونها في اي شكل مع موضوع المحكمة وكذلك مع سائر القضايا المتعلقة بلبنان، وهو أمر تقر به حتى دول زارت وفود سياسية منها دمشق، على مستويات مختلفة. ولم يعد الاميركيون وحدهم يعيدون الى الاذهان اللقاءات الكثيرة التي عقدت مع القيادة السورية في أوقات مختلفة من دون اي نتائج تذكر، بل يفعل ذلك آخرون ايضاً حاولوا اخراج سوريا من عزلتها من دون نجاح.

ولذلك بدأ التشاور جدياً حول احتمال اقرار المحكمة تحت الفصل السابع، حيث يبدي الأميركيون ومعهم الفرنسيون قابلية لذلك في ضوء عدم توقعهم اي خطوة ايجابية من النظام السوري او من حلفائه في لبنان. وان زيارة المستشار القانوني نيكولا ميشال كشفت عدم وجود رغبة في التعاون، خصوصاً أنه المؤهل اكثر من اي شخص آخر للاجابة عن كل مكامن القلق وتفهمها واحتمال استجابتها، ولذلك قد يبدأ عرض الخطوات المقبلة بعد رفع ميشال تقريره الى الأمين العام للأمم المتحدة اضافة الى تقرير الأخير الى مجلس الأمن عن زيارته لدمشق. ولم تخش دول كبرى عارضت زيارة بان كي – مون لدمشق خلال جولته في آذار الماضي في المنطقة وعادت فقبلت بهذه الزيارة لاقفال كل الاحتمالات قبل اللجوء الى الفصل السابع حول المحكمة أن يتأثر الأمين العام للمنظمة الدولية بالمحاولات السورية، فهو يبدي حذراً فائقاً، لكنه حين تبلغ ان سوريا تحبذ عدم وجود تيري رود – لارسن من ضمن الوفد الاممي قصد ان يصطحبه معه، ورافقه كذلك في زيارته ممثله في لبنان غير بيدرسن المطلع على حيثيات كل التفاصيل اللبنانية وغير اللبنانية حول المحكمة وسواها. ولارسن وبيدرسن يشكلان رسالة في ذاتها حول اسلوب بحث المواضيع وماهيتها مع الجانب السوري.

ويشير بعض المصادر الديبلوماسية في بيروت الى ان مسار اقرار المحكمة تحت الفصل السابع لن يكون سهلاً، خصوصاً ان روسيا اظهرت خلال الاسبوعين الأخيرين، وإبان مناقشات مجلس الامن للبيان الرئاسي حول تنفيذ القرار 1701، قدرتها وارادتها لاجراء مفاوضات طويلة ممضة حول تفاصيل التفاصيل، علماً ان لا جديد يثير حفيظتها، خصوصاً ان البيان هو مضمون تقرير الأمين العام نفسه عن تنفيذ هذا القرار، مما يعني انها قد تود دخول مفاوضات جديدة حول الموضوع او تغيير بعض البنود طلباً لاثمان جديدة، علماً انها كانت ادت دوراً اساسياً في اقرار نظام المحكمة من خلال الملاحظات التي ادخلتها عليه.

ومعلوم ان روسيا ليست وحدها، وان قطر تثير حفيظة الدول الكبرى في تحفظاتها عن جوانب من القرارات المتعلقة بلبنان على نحو خاص، رغم انها لا تمثل نفسها في مجلس الامن بل مجموعة الدول العربية. لكن مصادر اخرى لا تتوقف كثيراً عند هذه الصعوبات الجديدة وتبدو واثقة بانجاح الأمر خلال الاسابيع المقبلة وتحديداً في موازاة استنفاد المهلة الدستورية في لبنان نهاية آيار المقبل مع ترك الاحتمالات كلها مفتوحة.

وترى المصادر ان الحكم على المعارض السوري أكرم البني الموقوف منذ توقيعه مع معارضين سوريين بيان بيروت – دمشق من اجل تصحيح العلاقات بين سوريا ولبنان في اليوم نفسه لزيارة بان كي – مون لدمشق يكتسب دلالات رمزية، في حين تتمحور الزيارة على طلب احترام القرارات الدولية التي تدعم استقلال لبنان وسيادته والعدالة فيه. ولفت هذه المصادر ما نقله بان كي – مون من دعم سوريا لتنفيذ القرار 1701 من دون اي اشارة الى القرار 1559 الذي تقول سوريا انها نفذت الشق المتعلق بها منه. كذلك لفتها قول الأمين العام ان "سوريا مستعدة مع دول اساسية اخرى لمساعدة اللبنانيين في التوصل الى وفاق وطني وحكومة وحدة ودعم ما يتفق عليه اللبنانيون"، وهو ما فسرته اوساط متعددة رغبة من سوريا في ان تستعيد دور الرعاية للوضع في لبنان مع دول أخرى، في استعادة لما جرى لكثير من اللجان العربية إبان الحرب ومن اجل تنفيذ اتفاق الطائف بعدها، ولم يكن يبقى في تلك اللجان بعد حين الا سوريا وحدها لطموحها المعروف في لبنان. وهو أمر لا يمكن ان يتكرر على ما تقول المصادر الديبلوماسية المعنية، لان الوضع حالياً يختلف عن كل ما سبقه في رأيها.

لكن عدم الاستقرار في لبنان بدأت تغذيته مجدداً في موازاة كل ذلك. فهل الحوادث الاخيرة معزولة عن التهديد بزعزعة الاستقرار واحتمال نشوب فتنة داخلية، ام انها المؤشر – الانذار الى ذلك؟

مصادر
النهار (لبنان)