في الموضوع العراقي كما في الموضوع السوري الذي تم تناوله في الحلقات السابقة من "الموقف هذا النهار" يقول متابعون اميركيون للشأن العام في واشنطن، لا تملك الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش سياسة ثابتة وحدودا واضحة لها، كما انها لا تمتلك تصورا للاهداف النهائية التي تريد ان تحققها في العراق بعد نجاحها في اسقاط نظامه السابق وانخراطها في حرب مع جهات عدة بعضها عراقي وبعضها الاخر غير عراقي. فضلا عن ان سياسة العنف والحرب لا تحل مشكلة وان كانت لها مبررات منطقية ومقبولة اساسا. ذلك ان نجاح وحدات عسكرية اميركية او اخرى حليفة لها في قتل عدد مهم من الارهابيين الذين يستهدفون العراق الجديد ورعاته الدوليين لا بد ان يثير في اوساط عائلاتهم ومحبيهم ولاسيما العشائر التي ينتمون اليها مشاعر الغضب والسخط والحقد والرغبة في الانتقام. فكيف اذا كان الذين سقطوا اثناء القتال من الابرياء الذين لا علاقة لهم بالصراع او بالاحرى بالحرب الدائرة؟ ان الحرب أو العنف العسكري ليسا مجديين لفرض الاستقرار داخل العراق. واذا كانا ضروريين في مرحلة من المراحل فلا بد ان تواكبهما اجراءات سياسية داخلية – خارجية حازمة وقوية ومهمة.

هل يعني ذلك ان اميركا تتجه الى خسارة حربها في العراق؟

يجيب هؤلاء المتابعون بان في العراق اليوم نحو 133 الف جندي اميركي وان هذا العدد قد يزداد ليصبح نحو 160 الفا اثناء الاستفتاء على الدستور المقرر الشهر المقبل وكذلك اثناء الانتخابات التشريعية التي يفترض ان تلي ذلك. ورغم هذا العدد لم يتوقف العنف. الا ان ذلك لا يعني ان القوات العسكرية الاميركية الموجودة في العراق صارت في موقع ضعيف. فهي تابعة لاقوى دولة في العالم وهي لا تزال القوة العسكرية الاكبر داخل العراق وستبقى كذلك وان اتخذ الرئيس جورج بوش قرارا بخفض عددها الى النصف (75 الف جندي مثلا). وهذا يعني امرين مهمين. الاول، ان اميركا لم تربح في العراق حتى الآن. لكنها لم تخسر كذلك. والاهم انها لن تخسر. اما الامر الثاني، فهو ان التفوق العسكري الاميركي في العراق قد يسمح للرئيس بوش بخفض عددها في السنة المقبلة (2006) قبل الانتخابات التشريعية التي ستشهدها اميركا. وبذلك يخفف بوش من المواقف السلبية المتصاعدة داخل بلاده حيال "تورطها" في العراق. كما يخفف من الضغوط على حزبه الجمهوري وربما يعزز حظوظ الربح عنده في الانتخابات المشار اليها.

هل يتحول العنف الدائر في العراق حاليا حربا اهلية؟

الحرب الاهلية بدأت عمليا يجيب المتابعون الاميركيون انفسهم. وانطلاقها رسميا اذا جاز التعبير على هذا النحو قد يحصل بعد الاستفتاء على الدستور وخصوصا اذا رفضه الناخبون العراقيون السنة في مناطقهم او في المناطق التي يشكلون غالبية مهمة فيها وباكثرية الثلثين. علما ان الاخفاق في منع مشروع الدستور من التحول دستورا عبر الاستفتاء لن يغير في واقع الامور شيئا. بل انه على العكس من ذلك قد يفتح الباب اكثر امام الانطلاق الرسمي للحرب الاهلية في العراق. طبعا ستتعب هذه الحرب اميركا اذ ستصورها للعالم فاشلة وخاسرة. لكنها عمليا ستتعب الجميع في المنطقة وخصوصا الدول المحيطة بالعراق لاضطرار كل منها الى مساعدة الفريق الاقرب اليه في الانتماء الديني بل المذهبي وربما السياسي. الا ان اميركا ستبقى اقل الخاسرين لانها اولا ستعيد انتشار قواتها في العراق بحيث تتمركز في مناطق آمنة او آمنة نسبياً مثل الشمال الكردي كما انها قد تنشر بعض هذه القوات في الكويت وقطر والبحرين والاردن. وثانيا لانها كقوة كبرى او الـ" أعظم" تستطيع تحمل الصدمات ثم استيعابها بغية تحويلها انتصارات مستقبلا، مع الاشارة هنا الى ان اكراد العراق المنخرطين حاليا في العمل لاقامة نظام فيديرالي في العراق والراغبين فعلا وضمنا في دولة مستقلة لهم هناك قد ينجحون في ظل الحرب الاهلية، وخصوصا اذا طالت، في تحقيق هذه الرغبة اذا عرفوا كيف يسايرون تركيا ويتجاوبون مع مطالبها ويساعدونها في تبديد هواجسها الامنية الكثيرة التي يثيرها الموضوع الكردي عموما وتحديدا وجود مقاتلي الحزب الديموقراطي الكردستاني في كردستان العراق المحاذية لتركيا.

هل هذه النظرة الى الموضوع العراقي تشمل متعاطي الشأن العام الاميركيين في واشنطن كلهم؟

يشترك جميعهم في معظمها، لكن بعضهم ومنهم من احتل مواقع رفيعة في الادارة سابقا واخرها ادارة الرئيس جورج بوش يختلفون في بعض تفاصيل النظرة المذكورة عن المتابعين المشار اليهم اعلاه، فهم يعتقدون ان السيناريو المفصل اعلاه (حرب اهلية – انسحاب اميركي عسكري الى مناطق محيطة آمنة واستنزاف دول المحيط وربح اميركا في النهاية) ربما يعكس تفكيرا مؤامراتيا اذا جاز التعبير. الا انهم يلخصون تصورهم لتطور الاوضاع في العراق على النحو الآتي:

-الحرب الاهلية في العراق ستقع، وقد لا تكون بدأت بعد.

- ستؤدي الحرب الاهلية في العراق الى انعكاسات سلبية بالغة الخطورة على الدول المحيطة به – وابرزها المملكة العربية السعودية التي قد "تحترق". واسباب ذلك كثيرة الا ان في مقدمها تقدم حكام المملكة في السن وصعوبة انتقال السلطة في العائلة السعودية الحاكمة الى الجيل الثاني "الاكثر شبابا" والى خلافات معينة داخلها، هذا فضلا عن اسباب اخرى يتعلق بعضها بالمذهبية والغلو الديني.

الا ان السؤال الذي يطرحه عدد من المتابعين اياهم في اميركا والذي ينبع من متابعتهم للوضع في العراق هو: هل ان سنّة العراق مقاتلون اشداء بخلاف شيعته الامر الذي يفسر عدم انجرارهم الى ما يسعى اليه المتطرفون من السنة العراقيين وغير العراقيين ام ان الشيعة فيه يعملون اولا على الحصول على "شرعية" دستورية وقانونية ودولية لوضعهم الاكثري في العراق، ومتى حصل ذلك ينتقلون وبادوات السلطة الى المواجهة؟

ماذا عن ايران في واشنطن؟

مصادر
النهار (لبنان)