الأحزاب كمؤسسات حداثية قدمت إلينا عبر الفكر الأوروبي، ولكن بعد مضي أكثر من نصف قرن مازلنا مصرين على تطويع هذا التشكيل المؤسساتي لماضوية العقل، ولتجربة الرابطة القبلية .. وفي أحسن الأحوال لنزعة "التفرد" التي تغرق كل من يعتقد انه يعمل للصالح العام.

الأحزاب السياسية منذ نشأتها في العالم وحتى اليوم تبدلت هياكلها وآلياتها، وتغيرت أيضا طريقة تعبيرها داخل المجتمع. وحتى الأحزاب الأيديولوجية تبنت آليات تتوافق مع حقيقة التطور البشري، ولكن يبدو أن فكرة "القبيلة السياسية" مازالت الأكثر حضورا داخل الثقافة الاجتماعية في منطقتنا على أقل تقدير. فهل يمكن أن نجد "الحزب السياسي" القادر على وضع صورة المستقبل؟! وهل العمل العام محصور على "الكادر الحزبي"؟!!

المسألة الأساسية هي أن الإطار الحزبي هو شكل تنظيمي لتعبئة الجهود ولتحقيق مصلحة عامة محددة، ووفق هذا المفهوم فإن الأحزاب قادرة على التعامل مع كافة الأشكال المرنة، هذا إذا استطاعت الخروج من منطق "القبيلة السياسية". والمسألة الأساسية أيضا أن القرن والواحد والعشرين لم يعد يمهل المنظرين على تعميق مفهوم "القبلية السياسية"، لذلك لم يعد هناك منظرون، بل مستهلكو كلمات استطاعوا عمليا عبر مفهوم الإطار الحزبي تفتيت أي فكر مؤسساتي للتنظيمات السياسية.

الأحزاب السورية تحديدا خارج نطاق الدولة هي المعنية أساسا بهذه المشكلة، لأنها هي التي تتبنى الشعارات الجديدة، وهي التي تحاول البحث عن "الحرية الحزبية" فهل يمكن فك ارتباط هذه الأحزاب عن مفهوم "القبلية السياسية" .. وهل الغرض الحزبي سياسي في المطلق ..

ربما علينا من جديد الدعوة إلى إعادة المفهوم الخاص بالعمل العام، وقراءة الصور التي خلفها نصف قرن من تاريخ الأحزاب السياسية السورية .. لأن المستقبل في النهاية هو للإبداع وليس لعمليات التمترس والانشقاق وخلق صيغ بيانية لا تخرج عن إطار الجماعة الضيقة للأحزاب... فالعمل العام بيس نخبويا، بل هو عام ولكل الناس .. ومفاهيم الحرية والنهضة وغيرها لا يستطيع القيام بها النخب، لأنها تعني المجتمع بكامله .. فهل يمكن وقف الكثير من المهاترات الحزبية لصالح المجتمع؟!! إنها دعوة لكافة ما يسمونه بـ"النخب" ليكونوا متمسكين بنهضة هذا المجتمع..