مع الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد للقاهرة في 25 ايلول الماضي على اثر اعتذار الرئيس المصري حسني مبارك عن عدم زيارة العاصمة السورية لانها كانت ستعطي في اعتقاده رسائل في غير محلها، تزايدت المعطيات والتكهنات عن وساطة مصرية بالتعاون مع السعودية برزت في البيان الذي اعلنت فيه الرئاسة المصرية رفض عزل سوريا. والوساطة طبعا تفترض انها تحصل بين الولايات المتحدة الاميركية وسوريا عبر حليفين عربيين لواشنطن هما القاهرة والرياض . وتزامنت هذه المعطيات مع كلام على استنفاد رئيس لجنة التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس المهلة التي حددها مجلس الامن للجنة اي حتى 15 كانون الاول المقبل علما ان ميليس كان قد طلب 40 يوما فقط من مهلة الثلاثة اشهر الاضافية مما اثار شكوكا لدى اللبنانيين الذين يهجسون عادة بالمخاوف من صفقات ما تفترضها مصالح الدول وتأتي على حسابهم من ان يكون استنفاد ميليس هذه المهلة يندرج في اطار مساع غير معلنة لترتيب النظام السوري اموره بما يحفظ استمراره واستقراره قبل صدور التقرير او بحيث لا يتناوله التقرير . ومن هنا صعوبة الاقتناع بالاسباب الفعلية التي قدمها المسؤولون اللبنانيون لاستمرار ميليس في مهمته حتى منتصف كانون الاول المقبل وخصوصا انهم دخلوا في جدل عقيم لا قرار لهم في شأنه.

وهناك ثلاثة امور على الاقل ساهمت في الدفع الى النظر ببعض الجدية الى هذه المعطيات بينها معلومات متضاربة عن لقاء الرئيس السوري ونظيره المصري، وفيها ان مبارك حض الاسد على التعاون مع ميليس بحيث بدا صعبا تبيان الخلاصة الفعلية لهذا اللقاء مما ساهم في استنتاجات متناقضة . الامر الاخر كان المواقف الاقليمية التي يتم تجاذبها عبر الاثير وكان اخرها الموقف الاسرائيلي الذي تحدث عن بحث مسؤولين اميركيين في الوضع السوري مع مسؤولين اسرائيليين لم يؤكده ولم ينفه المسؤول في الخارجية الاميركية شون ماكورماك بقوله انه لا يملك معلومات علما ان الاسرائيليين يقولون بتفضيل النظام السوري الحالي على نظام قد لا يؤمن الاستقرار في المنطقة . يضاف الى ذلك تقارير متعددة في وسائل اعلام كبرى عن صفقات او مساعي وساطة او حتى زيارة قام بها وفد اميركي اخيرا لسوريا وحصوله على عرض سوري بالتعاون يحاول ان يحصل على موافقة عليه لدى المسؤولين الاميركيين . وكل ذلك في الايام الاخيرة التي تسبق تقديم ميليس تقريره الى الامين العام للامم المتحدة وكأنما ما يجري على هذا الصعيد هو في سباق فعلي مع موعد صدور التقرير .

مصادر اميركية معنية في واشنطن نفت احتمال اجراء صفقة مع دمشق باعتبار ان زمن الصفقات قد ولى الى غير رجعة وهي التي كانت لها تجربة غير مشجعة مع الرئيس السوري بشار الاسد الذي ترى فيه بضع صفات تجعل من الصعب عقد صفقة معه ومن هذه الصفات عدم وجود ارادة لديه للتعاون مع الولايات المتحدة على رغم ان الابواب فتحت له على مدى الاعوام الماضية من دون نتيجة تذكر وثانيا الاعتقاد بعدم وجود قدرة لديه على ضبط الحدود فعلا مع العراق . وهو قد يكون يتمنى الان حصول صفقة تخرجه من عزلته الدولية التي نجحت واشنطن في احكامها عليه بعد نجاحها في تعطيل زيارته لنيويورك . لكن بحسب هذه المصادر فان الرئيس السوري لا يملك ما يعطيه في اي صفقة من منطلق ان اي صفقة بين طرفين تفترض الاخذ والعطاء وهو لا يملك شيئا يعطيه في رأي هذه المصادر . يضاف الى ذلك بحسب هذه المصادر ان لبنان يبقى اولوية من اولويات الادارة الاميركية رغم احتلال الوضع في العراق المراتب العشر الاولى على الاقل فيها. لا بل ان المعلومات على تهريب اسلحة عبر الحدود الى الفصائل الفلسطينية في لبنان لا يمكن ان ينظر اليه ايجابا على الاطلاق من واشنطن كما من سائر الدول الاخرى العربية والغربية على حد سواء ، ما ينقض الى حد ما الكلام على السعي الى وساطة يمكن ان تنجح والقيام في الوقت نفسه بما يمكن ان يستفز المواقف الاميركية ضدها في لبنان . وقد قيل في واشنطن اخيرا ان مشكلة سوريا ليست مع الولايات المتحدة بل مع جيرانها اي لبنان والعراق وفلسطين في اطار التأكيد ان المطلوب من سوريا هو تغيير السلوك السوري وليس تغيير النظام فيها. ولعل هذا الاطمئنان من جانب القيادة السورية دفعها الى استعادة بعض النفس والانتقال الى موقع هجومي بدلا من الاستمرار في موقع دفاعي . لكن اداءها في لبنان لا يساعد ابدا في اطار السعي الى اجراء صفقة قد يرغب كثيرون في حصولها الان قبل نتائج تقرير ميليس وسوريا لا تزال تتمتع بثقتها بعدم تورطها في اغتيال الحريري بدلا من ان تضطر الى ذلك بعد صدور التقرير غير المعروفة خلاصاته والذي يمكن ان يطاول بعض المسؤولين فيها على الاقل.

الا ان مصادر اخرى تعتقد ان تعاونا جوهريا من سوريا في موضوع العراق قد يخفف من عداء واشنطن في مرحلة اولى ، والصعوبات التي يواجهها الرئيس جورج بوش في العراق يمكن ان تكون عاملا مساعدا للنظر ايجابا في تعاون سوري جدي لا يمكن ان ترفضه الولايات المتحدة ، خصوصا ان البراغماتية الاميركية تقتضي مراعاة مصالح الولايات المتحدة حيث وجدت . لكن لا يعتقد انها يمكن ان تكون على حساب لبنان او على حساب غض النظر عن المطالب الاميركية الاخرى من سوريا او يجب الا يكون كذلك من حيث المبدأ . اذ ان الديموقراطية التي تعتبر واشنطن ان لبنان استردها والتي تستمر عنوانا تؤمن به للتبشير في المنطقة لن تتساهل في شأنه . فضلا عن ان كثرا يعتبرون ان استنفاد ميليس المهلة المحددة له اصلا اي حتى 15 كانون الاول من شأنه زيادة الضغط على سوريا وليس تخفيفه باعتبار أنه يترك المجال مفتوحا لمزيد من البحث والتدقيق في حين تبدو سوريا راضية بما وفرته لميليس عبر استجواب بعض مسؤوليها.

مصادر
النهار (لبنان)