إن مراجعة الذات والإفادة من التجربة التاريخية لأي تجمع أو مؤسسة أو لمسيرة حزب أو دولة أو وطن ما ، تتطلب بداية تحديد الغاية والهدف من عملية المراجعة ولواحقها ( تحليل ، دراسة ..) ثم العمل وفق نهج متوازن حيادي عقلاني وصادق تماماً ، مستقرءاً المراحل السابقة بكل ما تحمله وصولاً إلى استخلاص العبر والاستفادة من الأخطاء ، ثم وضع الاستراتيجيات والخطط التنفيذية لتحقيق الهدف مع الاستفادة من تجارب الآخرين المعروفة بأقصى قدر ممكن وفقاً للتسارع في المتغيرات الزمنية والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية والقراءات السياسية الآنية والمستقبلية لمصلحة الوطن والمواطنة تحديداً لا لأمر آخر .

جاء إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي داعياً إلى مراجعة الذات والإفادة من التجربة التاريخية لسوريا ، محدداً الغاية والهدف بالتغيير الديموقراطي ، واصفاً الواقع ومحدداً الأسس - كما يراها - الواجب إتباعها لمصلحة البلاد ، طالباً من الجميع الانضمام إلى مشروعه التغييري الإنقاذي لاعتباره أن عملية التغيير قد بدأت ، وأن من لا ينضم إلى المشروع وفقاً لتحديده - أن من يخشى التغيير- هم المتورطون بالجرائم والفساد (معتبراً نفسه بذلك ممثلاً للجميع) ، ثم يقترح تنظيم العمل التغييري وفقاً لبنود محددة من /1/ إلى /7/ تحمل بعضاً مما حصل ويحصل حالياً من وسائل للتغيير الديموقراطي في العراق ، وضمن صيغ توحي وكأن الإعلان والانضمام إلى مشروعه ، هو الوسيلة لمنع الاقتتال الداخلي المتوقع .

إني ، ومع موافقتي للبعض مما ورد ضمن الإعلان ومع احترامي للشخصيات الطبيعية ( وبخاصة منهم الذي أعرف والذي لا أشك بمحبته للوطن ) والاعتبارية الموقعة عليه ، أرى أنه جاء متسرعاً وحاملاً لبعض المتناقضات و مقداراً من الغموض في بعض الفقرات ، كما لبعض النقاط التي كانت ولا تزال تحتاج إلى نقاش موسع وصريح قبل اعتمادها بالصيغة التي وردت فيها ، إضافة إلى التكرار للعديد من الأفكار واعتماد البلاغة الإنشائية ، عدا عن أنه يحمل أفكاراً متنوعة سبق وأن تم طرحها من جميع القوى السياسية والتنظيمات المدنية ومواطنين طبيعيين وإن بصيغ مختلفة . وأرى كذلك أنه ورد ضمن صيغة تحمل قدراً كبيراً من الشمولية والتشبث بأفكار محددة ( شمولية قومية ) ، كما تحمل ذات النهج التفكيري الذي يفرض مفهومه وطريقته "القيادية" ، إضافة إلى أنه مشروع سياسي بالمطلق لا يحمل إشارة أو تحديداً لأي شكل اجتماعي أو نهج اقتصادي تارك الأمر بيد "عقد اجتماعي جديد ينتج عنه دستور ديموقراطي عصري.... الخ " ، رغم أنه يهدف للتغيير الديموقراطي ضمن إطار سياسي عام، وبالإجمال فقد ورد النص كاملاً بشكل يتسبب بإثارة العديد من إشارات الاستفهام حول الإعلان بشكل عام . ثم أن الإعلان احتوى ذلك كله تحت عنوان كبير ، وصدر في هذا الوقت بالذات بما يحمله من أحداث وتطورات متنوعة ، وبتأييد علني مباشر من تنظيمات مختلفة – وما قد يكون منها غير معلن - ، وكأن المقصود – توافقاً أو ترتيباً – داخلياً وحتى خارجياً ، هو الاستقطاب الإعلامي وتوجيه الأنظار باتجاهه ونحو معديه بأنه توجد في البلاد قوى أخرى غير التنظيمات الدينية – ذلك رغم التناغم والتوافق الواضحين ( وقد يكون تحالفاً ) – ، والتي تنحوا باتجاه أن الغرض الداخلي منه بأنه البديل وعلى الجميع الانضمام دون الخوض في ماهية التنظيمات المؤيدة والداعمة مع عدم التطرق هنا إلى الهدف الخارجي .
في جميع الأحوال فإن الدعوة لحركة ديموقراطية تجعل المواطنة معياراً للانتماء ، تتطلب الممارسة الديموقراطية وعدم الاستيلاب بالتقسيم إلى مع أو ضد ، كما عدم الانطلاق من قواعد فكرية شمولية ثابتة ومعينة وفرضها على المجموع ، وتعني كذلك الانفتاح على الجميع عملاً دون أن يتم اعتماد ثقافة دينية محددة بذاتها . لأن حق المواطنة لا يعني حق التعبير والمشاركة في الحياة ضمن الوطن فقط ، ولا يعني الاعتراف بحق الأقليات القومية - الأمر الذي يستتبع الاعتراف بحق الأقليات العرقية والطائفية ثم المذهبية ، ومن يدري - .

كما أن الديموقراطية والمواطنة يعني من جملة ما يعنيه المواطنة الحقيقية التامة دون أقليات أو أكثريات ولهما مفهومهما الواضح الذي يؤكد ضمنه على الانتماء المتساوي للجميع إلى الوطن وفصل الدين عن الدولة ، لا احترام حق الأقليات وعقائد الآخرين وثقافتهم لأنه ما من " أقلية وآخر" ضمن الوطن الواحد وضمن المواطنة الصحيحة الصادقة .

أخيراً ، فإن الإعلان عن " لجنة سيشكلها الأعضاء المؤسسون لإعلان دمشق الأسبوع المقبل ستوضح كل المواقف التي رافقت الإعلان بشكل لا لبس فيه منعاً للإجتهادات " كما ورد في موقع سيريا نيوز تاريخ 19/10/2005 نقلاً عن الناطق باسم التجمع الوطني الديموقراطي الأستاذ حسن عبد العظيم ، يؤكد ما أوردته وغيري ممن أوضح رأيه .