لو لم يكن المجتمع الدولي ممثلا باجماع اعضاء مجلس الامن الخمسة عشر مسكونا باقتناع راسخ بمسؤولية النظام في سوريا عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لما صدر القرار 1636 الذي تكمن قوّته، الى جانب ارتكازه على تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس والقبول به من دون تحفظ، في استناده الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يجعل الخضوع لمندرجات القرار اجباريا، مفسحا في المجال استخدام كل الوسائل بما فيها القوة لتأمين احترامه وتطبيقه. والحال ان موقف النظام مع سوريا هو من السوء بمكان، بحيث انه استحال عليه في احسن الاحوال تحييد الروس والصينيين وحتى الجزائريين ودفعهم الى الامتناع عن التصويت بدلا من استخدام حق "النقض" او التصويت ضد القرار في حال الجزائر.

ولعل اهم ما في القرار 1636 هو الفلسفة التي بني عليها: مسؤولية النظام السوري في مكان ما عن الجريمة الارهابية، والاعتقاد الراسخ في عواصم العالم قاطبة بان قراراً سوريا على اعلى المستويات اتخذ لاغتيال رفيق الحريري. هنا مكمن المشكلة العميقة التي يواجهها النظام في دمشق. انها من العمق الى درجة ان موقف بعض الجهات السياسية المستغرب جدا في اليومين الماضيين، لا يخفف منها لا بل ربما فاقمها على مستويات اخرى لا يحتاج اليها نظام الرئيس بشار الاسد راهنا.

ان القرار 1636 هو رسالة عظيمة الاهيمة الى كل الانظمة التي لم تفهم بعد ان زمن الاغتيالات انقضى في هذه المنطقة. وكان لاحتجاج وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على عدم تشكيل لجان تحقيق شبيهة بلجنة ميليس في مجازر قانا وجنين ان يكون في محله لولا انه غاب عنه ان الارهابي هذه المرة في قضية رفيق الحريري لم يكن الاسرائيلي. وان اخفاق المجتمع الدولي في محاسبة اسرائيل على جرائمها في حق العرب لا يبرر لاي نظام عربي ان يقتل رجل دولة عربيا كبيرا هو رفيق الحريري. من هذا المنطلق نعتقد ان القراءة السورية للقرار 1636 التي قدمها الوزير الشرع لم توفر الدليل الحسي على ان النظام في سوريا قد ادرك اخيرا خطورة القضية التي نحن بازائها اليوم. فتضمين رده على القرار ملاحظة مستهجنة تقارن بين مسؤولية اجهزة المخابرات الاميركية والاسبانية والبريطانية في الهجمات الارهابية في نيويورك ومدريد ولندن، ومسؤولية المخابرات السورية في الجريمة التي حصلت في لبنان، كان ردا غير مسؤول، اذ زاد الحرج الذي يعانيه النظام الى حد لم يستطع الشرع معه ان يرد على استهجان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الا بالتذكير الاعتذاري بمواقف سوريا المنددة بالعمليات الارهابية المذكورة، وصولا الى تطييره برقيات شجب وتنديد بتفجيرات لندن في السابع من تموز الماضي واتصاله شخصيا بنظيره البريطاني! هذا كلام بالكاد يستأهل ان ينطق في مؤتمرات حزب البعث السوري!

وحده عقل الانظمة المتخلفة عن ركب العالم وعن فهم العصر الذي تعيش فيه ينتج منطقا كمنطق الاستاذ فاروق الشرع يواجه به مجتمعا دوليا متضامنا من اجل الا تمر الجريمة الارهابية التي اودت بالحريري من دون سوق المجرمين الى العدالة التي يستحقونها.

في الخلاصة نتذكر اليوم رفيق الحريري في عيد ميلاده الحادي والستين على عتبة عيد الفطر المبارك فلا ينساه لبنان ولا من احبوه. وفي المقابل، ومن زاوية اخرى، لا ينساه هؤلاء القتلة الذين يضيق الخناق عليهم يوما بعد يوم.

مصادر
النهار (لبنان)