من اليمين الى اليسار : خوسيه مانويل باروزو، جون كلود جونكر، جورج بوش وخافير سولانا في شهر فبراير 2005.

لقد استفاد المحافظون الجدد من الأحداث التي هزت أوروبا في العامين الماضيين، فقرروا قلب رزنامتهم في تلك المنطقة من العالم. الرزنامة التي ارتأت أساسا:

 إعادة نشر القوات المسلحة الأمريكية المتمركزة في أوروبا بتحويلها نحو الشرق و الجنوب بالطريقة التي تسمح بالسيطرة على أوروبا الوسطى و الشرقية و تشكيل " حزام طوقي" حول الفدرالية الروسية.

 نزع مفعول أي دفاع أوروبي مستقل و دعم فكر الزعامة لدى الحلف الأطلسي.

 الاعتماد على لجنة بروكسيل لأجل دمج مناطق التبادل الحر الشمال أمريكية و مناطق التبادل الحر الشرق أوروبية بحيث تصبح محررة اقتصاديا. الأمر الذي لا يتحقق الا بالتصديق على مشروع سمي " دستورا"، كفيل بالضمان المسبق لكل المشاريع والصلاحيات السياسية للجنة الأوروبية، بشكل يجعلها تتجنب كل حركات احتجاجية ومعارضة.

وقد تم البدء في إعادة نشر الفرق العسكرية الأمريكية فعلا ودون أي انتقاد او مساءلة.ويشارك الاتحاد الأوروبي وبفعالية و يتبنى بلا نقاش كل عمليات زعزعة روسيا تحت غطاء برامج التنمية الاقتصادية، والتي سمحت بتدخل الولايات المتحدة في القوقاز. و قد حضر خافيير سولانا شخصيا إلى أوكرانيا للإشراف على "الثورة" البرتقالية، بينما ساهمت اللجنة الأوروبية في تمويل برنامج زعزعة الحكومة البلروسية.

وكان سولانا الذي كان الأمين العام للحلف الأطلسي قبل أن يصبح أمينا عاما للاتحاد الأوروبي، نجح في دفع مجلس رؤساء الدول و الحكومات الأوروبية إلى استصدار نسخة طبق الأصل لتلك العقيدة الإستراتجية التي تبناها الرئيس بوش من قبل، و التي جعلت الدفاع الأوروبي يعتمد أكثر من أي وقت على الحلف الأطلسي. و إن كان سورلانا نجح في توريط الاتحاد الأوروبي في أفغانستان و في السودان إلى صف الحلف الأطلسي، إلا أنه فشل فيما يخص العراق. و أمام هذه النتيجة غير الكاملة، استنبط المحافظون الجدد أن الاتحاد قابل للسيطرة عليه بسهولة على القارة الأوروبية، بيد أن الولايات المتحدة تحتفظ بكل مصالحها في بقية العالم لتلعب الدور الذي سوف يتقرر لها.

غير أنه في الأخير، لقد صار جليا فشل تمرير مشروع الدستور الذي رفضه الفرنسيون و الهولنديون، و فشل "أنجيلا ميركل" في جعل الألمان يندمجون في العولمة الليبرالية. وبعد ترددهم في تفسير هذا الرفض على أنه إشارة إلى التخوف من تداعيات الهجرة وعملية توسيع الاتحاد، أو أنه تعبير عن شؤم كبير وإحباط شعبي أمام تفاقم البطالة التي تجلت أيضا في حالات الأصوات المتطرفة أو حتى المعادية للسامية، ارتأى المحافظون الجدد أنه من الصعب فرض على الشعوب المناهضة النمط الاجتماعي الأنجلوسكسوني عبر الطرق السياسية.

لقد قرر هؤلاء الاعتماد على أحد تيارات العولمة، والذي يضم أرباب العمل المحليين مثل خوسيه مانويل الذي أصبح رئيس اللجنة بمباركة من جورج دابليو بوش بعد أن نظم قمة "الأكور" التي باركت غزو العراق. هذا الأخير أعلن الأسبوع الماضي عن حداده على الدستور الأوروبي مطالبا بتوثيق التدابير. كما أعلن الأسبوع الماضي عن دفن سبعين مشروع تشريعي بدعوة أنها معقدة و تجهد كاهل الرأي العام، و الحال أن الحقيقة هي أن الإستراتيجية انعكست فلم يعد يتعلق الأمر بتقنين الأمور تحت سلطة اللجنة، و لكن على العكس تماما، صار الأمر يتعلق بتفكيك البنود الحالية و الإعداد للتقنين في منتدى قانوني فيما وراء الأطلسي ينشطها أرباب العمل التابعين لمنتدى الحوار الاقتصادي الأطلسي. (Transatlantic Business Dialogue ).

وفي نفس السياق، ظهرت من جديد الى النور، هيئتي "ريش" و " بولكنستين" الذين تم التضحية بهما على أمل تبني الدستور الأوروبي. فالهيئة الأولى تهدف إلى تحرير وخصخصة الإنتاج الكيميائي، و الثانية تهدف إلى محاربة وإنهاء التشريعات الاجتماعية الوطنية لجعل الاتحاد منسجما تماما من الناحية الاقتصادية لاتفاقية التبادل الحر الشمال أمريكي. وتحقيق كل هذا بحجة التداول الحر، الذي يعطي لأرباب العمل حق التشريع الاجتماعي الذي يطبق على العمال، وتحويل مقرات عملهم إلى الدول التي تتنازل أكثر.
أما من ناحية أخرى،و لإقناع الشعوب الأوربية التي فشل فيها المسئولون السياسيون، لجأ فيها المحافظون الجدد إلى بابا الكنيسة "بنديث السادس عشر" و الكنيسة الكاثوليكية. مسئولي الندوة الأسقفية في الولايات المتحدة و أولئك التابعين للجنة الأساقفة التابعة للمجمع الأوروبي، والذين اجتمعوا كلهم من 21 إلى 23 سبتمبر للحصول على " الرزنامة الجديدة لحلف الأطلسي."

وبواشنطن، قرر المحافظون الجدد أقلمة مخططاتهم تمشيا مع استراتيجيتهم الجديدة بالمنطقة، بحيث تم تكليف مجموعة " American Enterprise Institute " بصياغة البرنامج الخاص برئاسيات جورج دابليو بوش، و هو برنامج لأجل عقد أمريكي جديد تم حله بشكل سري منذ أسبوعين و تم استبداله بما يسمى باللجنة الأمريكية لأجل أوروبا قوية. فمن خلال "أوروبا قوية" يجب أن نفهم أيضا أوروبا قادرة على أن تقوم مقام الفرق الأمريكية في العالم و كسر شوكة المناهضين للعولمة داخل شعوبها. هذا المجلس الذي سيتفادى التدخل بشكل مفتوح في سياسة الاتحاد لجأ إلى " الأصدقاء الأمريكان" كي يتدخلوا بدلا عنه، وهكذا وافقت المملكة العربية السعودية على تمويل الحملة الانتخابية الخاصة بنيكولا ساركوزي في فرنسا، للسماح للمحافظين الجدد بالتخلص من دومينيك دو فيلبان و هو الشيء الذي سيتم العمل به في كل دولة كبيرة داخل الاتحاد.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: رامي جميع الحقوق محفوظة 2005©