ما معنى المؤتمر التحضيري في القاهرة طالما أن العراق سيتوجه، بعد أسابيع قليلة منه، نحو انتخابات تشريعية؟
<<مؤتمر المصالحة>> فكرة سعودية جرى تعريبها ثم تدويلها. ويبدو واضحاً، لمن يتابع، أن الموقف الأميركي ازداد إيجابية حيال دول واكبت المشروع وأبدت حماستها له.

غاية المؤتمر الجوهرية السعي لاستحضار قوى عراقية قد لا تكون راغبة أو جاهزة للمشاركة في الانتخابات. وليس سراً أن هذه القوى سنية عربية أساساً. بكلام آخر ان الهدف هو تأمين مواكبة عربية لمزيد من انخراط عرب سنة في العملية السياسية.
إن هذا الانخراط قد يكون السمة الأولى للانتخابات التشريعية قبل نهاية العام. لقد حصلت مقاطعة واسعة جداً في المرة الماضية. إلا أنها تراجعت عند الاستفتاء على الدستور ولو أن المشاركة أسفرت عن <<لا>> كثيفة. يصعب تقدير نسبة المشاركة هذه المرة ولكن ما لا شك فيه أن المحافظات المتمردة ستتمكّن من اختيار نواب يغلب عليهم، مع بعض التفاوت، الرفض القاطع للاحتلال ودوامه.
السمة الثانية للانتخابات هي إعادة التشكيل التي تعرّض إليها <<الائتلاف الشيعي>>. قد يكون أحمد الجلبي أبرز الخارجين منه ومعه عدد من <<العلمانيين>>. إلا أن دخول التيار الصدري يبقى معلماً بارزاً سواء لناحية الحصة التي انتزعها مقتدى الصدر أم لناحية المضمون السياسي الذي نجح في فرضه (تحريم أي علاقة مع إسرائيل). وسيكون لافتاً التعويض الذي يمكن أن يقدمه الصدر للائحة بعد امتناع علي السيستاني عن التزكية غير المباشرة لها.
السمة الثالثة (وهي أقل أهمية لناحية التأثير) خوض الإسلاميين الأكراد الانتخابات بعيداً عن التحالف مع الحزبين الكبيرين.
السمة الرابعة هي المحاولة الدؤوبة لقيام تكتل وسطي، علماني، عابر للطوائف يلتف حول أياد علاوي، ويقدم نفسه بصفته بديلاً عن التكتلات المذهبية والعرقية.

يجب أن يكون معروفاً أن هذه الدورة الانتخابية ستجري وفق قانون جديد. لقد انتهت النسبية المطلقة على أساس اعتبار العراق كله دائرة واحدة. وحلت محلها النسبية في المحافظات القائمة مع ترك عشرات المقاعد من أجل توزيعها على كيانات سياسية حاضرة في عموم الوطن ولو أنها لم تنجح في اجتياز نسبة الحسم في محافظة بعينها.
إن عدد المقاعد موزع سلفاً على المحافظات. والقصد من ذلك امتصاص الآثار الناجمة عن فائض التصويت في مكان وعن نقص المشاركة في مكان آخر. هذا تحوّل كبير بالقياس مع ما جرى في المرة الماضية. وهو تحوّل يمنع الانعكاس الآلي للديموغرافيا المعطوفة على نسبة الإقبال على الحصيلة العامة لجهة توازن المجلس التشريعي الجديد. وبهذا المعنى يمكن، منذ اليوم، ونتيجة
الطابع المذهبي والعرقي للميول الانتخابية، تقديم صورة إجمالية لما سيكون عليه البرلمان الجديد.

غير أن السؤال المعلق يتناول قدرة أياد علاوي على إحداث اختراق في المحافظات الجنوبية. نحن، هنا، أمام ثلاثة احتمالات:
أولاً ينجح علاوي فوق المتوقع. يمكن، في هذه الحالة، تشكيل كتلة حاكمة تضم الأكراد ومَن يشاء من السنة. وليس مستبعداً دفع الأحزاب الدينية الشيعية إلى المعارضة.
ثانياً يحقق علاوي اختراقاً معقولاً. ومن المقدّر، في هذا السيناريو، إجراء تسوية لتقاسم السلطة تحد جدياً من نفوذ <<الائتلاف>>.
ثالثاً يفشل علاوي جنوباً. نعود إلى صيغة قريبة من الحالية.
سيعمل الاحتلال، مدعوماً بقوى عربية، على تغليب الاحتمال الأول وإلا فالثاني. والسبب الفعلي لذلك هو وجود رغبة مشتركة بتطويق ما يسمى <<النفوذ الإيراني>>. ثمة مخاوف عربية معلنة. ولكنْ هناك أيضاً نوع من الاعتراف الأميركي الضمني بالفشل الناجم عن أن الكتلة الشعبية الرئيسية التي كان مفترضاً أن تكون سند الاحتلال تحولت إلى موضع نزاع أميركي إيراني في ظل تصاعد التوتر الأميركي (الغربي) الإيراني.

تندرج الانتخابات العراقية المقبلة، كما سابقتها الانتخابات اللبنانية، في سياق مواجهات تطال المنطقة كلها. وليس مستبعداً أن يكون الدخول العربي على الخط هادفاً إلى تعظيم الاستفادة من قانون انتخابي معيّن لإنتاج توازن عراقي داخلي جديد يعكس صورة عن تحالفات إقليمية دولية.

إلا أن نقطة الضعف في هذا التوجه هي أنه من المستبعد حصول انقلابات جذرية في مواقف المشاركين الجدد. سيبقى المزاج السني الغالب ميالاً إلى مقاومة الاحتلال وإلى إعطاء عروبة العراق معنى سلبياً حيال الأميركيين وحيال الإيرانيين في آن واحد (مع الرهان على أهمية عدم ارتداد هذه العروبة إلى توتر جديد مع الأكراد). إن ما يمكن حصوله هو تزايد الصعوبة لدى بعض الشيعة العراقيين في الجمع بين العلاقات الطيبة مع الاحتلال والعلاقات الطيبة مع إيران. هذه حالة <<حزب الدعوة>> و<<المجلس الأعلى للثورة الإسلامية>>. فالطرفان تعايشا مع هذه المفارقة على عكس التيار الصدري الأكثر تصالحاً مع النفس بحكم ابتعاده عن كل من الاحتلال وإيران.
إذا حصل ذلك، أي الابتعاد الجزئي للمزاج الشيعي العام عن الاحتلال، فإن عام 2006 سيكون عاماً حافلاً بالأحداث في العراق. إن جدول أعمال السنة الجديدة مثقل بمهمات ليس أقلها إعادة النظر في الدستور ووضع قوانين لعدد من البنود الواردة فيه، فضلاً عن اتخاذ القرار بالتمديد للقوات الأجنبية أم رفض ذلك.
إن الخوف هو من نمو ميول انفصالية جنوبية على قاعدة تراجع القدرة على ممارسة النفوذ عبر السلطة المركزية. والرهان هو أن تؤدي الانتخابات إلى تقارب قوى وبروز خط يحسن الجمع بين وحدة العراق وبين تحرير العراق.

مصادر
السفير (لبنان)