نريد استخدام كل أدوات العصر، وكل منتجات الحداثة ، بشرط واحد هو أن لا نخضع لا لاستحقاقات هذه الأدوات، ولا لاستحقاقات الحداثة، حيث علينا حصر هذه الأدوات في حيز الاستخدام المتاح حيث نضع هذه المنجزات لاعادة انتاج ما لدينا من ثقافة حتى ولو عاكست المنجز الحداثي، وبدلا ان تصبح نقطة انطلاق أي فعالية تحتاج الى أدوات الحداثة وراءنا، نفاجأ دوما انها لما تزل أمامنا وكأننا ننحو في خط بياني سالب بدلا عن تراكم المنجز الابداعي الذي احتاج لهذه الأدوات.

في الدرامة التلفزيويونية كجزء من الفن ، الذي بدوره هو جزء من الابداع، نلحظ هذا الاأفتراق حيث افترضنا ممارسة أن لها وظيفة محددة بحدود ما علمنا ماضيا عن ما يمكن تدجينه ليصبح حقا وخيرا وجمالا ،وقبعت هذه الوظيفة مسقوفة بين التنوير والفعل الخيري، ليراوح التنوير بين شرح الكلمة واستعادة المعلومات عن التاريخ المجيد، والأخلاق السوية، والشكل المحتشم للانسان ، لتتحول الدرامة التلفزيونية الى وسيلة ايضاح يمكن استخدامها بأمان، وليس كفعالية ابداعية موضوعية يحتاجها التجمع البشري من أجل الحراك، وهو ما يعيدنا في الخط البياني الآنف للنظر الى الفن برمته ومحاولة تعريف مكانته في المجتمع، فقبل مناقشة جدوى الدرامة التلفزيوينية ومحاولة (ترشيدها) يجب النظر الى الفن هل هو فعل مؤثم ؟

وكل ما يأت به ضلالة الا ما خضع منه الى أصول الاتباع ، أم هو فعل خيري لتزجية أوقات الفراغ (انتاجا وأستهلاكا) بما لا يضر؟ وهل هناك من فارق في النظرة الى سيدة التي تنهي أعمالها المنزلية وتتفرغ لأعمال الكانفا أو التطريز، وبين من يقوم بعمل فني من موسيقا وغناء ومسرح وفنون تشكيلية؟؟ حيث تبدو كلا النظرتين الاجتماعيتين قاصرة عن تصنيف الفن في خانة الفائدة الاجتماعية، ناهيك عن القبول به كفعالية أصلية في لب المجتمع، عندها يبدو التنوير بمعناه التداولي الفعال بعيدا ليس عن الدرامة التلفزيونية فحسب، وانما عن البال أيضا، ليحل محله مناقشة كمية الخدمات التي يقدمها هكذا نوع من الفن، أو بطريقة أخرى ما الذي يجب منعه وما الذي تجب اباحته من الحراك الاجتماعي بناء على وصفة المسلسلات، التي قد (يطلع) ببال صانعيها المطالبة بالغاء المقاهي مثلا، أو الغاء وسائل المواصلات الجماعية أو المختلطة ، بناء على رؤية خيرية تبادر بالنصيحة كي لا يقع ما هو أسوأ.

في باب التنوير يمكننا الكلام عن تغيير رؤيتنا للعالم بناء على ما وصل اليه، اما في باب الفعل الخيري فهو محاولة تثبيت رؤيتنا لأنفسنا في صورة مكتملة بعد استعادة ما اسقطه الزمن ولو افتراضيا، هذا التعاكس يفرض نفسه في ممارسة الدرامة التلفزيونية وتداولها، فاذا بنا أمام درامة تلفزيونية ضد الدرامة التلفزيونية، بل ضد التلفزة برمتها، لأنها وببساطة ليس لها مثال في الماضي يقاس عليه.