لا أريد العودة الى اللغة لتعريف الاستهلاك ، فالكلمة بمعناها المعاصر اصبحت ذات معان اقتصادية متراكبة لا تحتملها لغتنا ، كمالا اريد وصم الكلمة بالعار على طريقة الادب فالاستهلاكي يترافق مع التافه ادبيا .فاليوم شئنا أم ابينا ذممنا او مدحنا ، الاستهلاك هو عملية اقتصادية ضرورية للارتقاء ، لأنه الحافز الاول للانتاج في عملية دائرية تبدأ من زيادة الاستهلاك مرورا بزيادة الانتاج وصولا الى زيادة الاجور ، وما يتخللها من ابداع وبحث للارتقاء بالنوعية وأكتشاف سلع جديدة تدخل في خط الاستهلاك .ليصبح التشجيع على الاستهلاك هو نفسه تشجيع على الانتاج وتشجيع على الابداع في عملية اقتصادية متوالية تدفع الى البحث عن اسواق جديدة ومجزية … الى هنا والحكي تمام …ولكن اي استهلاك نعني ؟

انه الاستهلاك الذي يحتاج الى ثقافة ووعي ليس فقط بمنشأ السلعة الوطني وهذه ضرورة اساسية ، وانما بمواصفات السلعة نفسها وكأنها في امتحان دائم امام المستهلك الواعي الذي يهدد حضورها في حال فشل عملها في الغرض المخصصة له او قلت نوعيته او نافستها سلعة اخرى بمواصفات قياسية او ابداعية اعلى …

الاستهلاك هو ثقافة وفي نفس الوقت هو معيار ثقافي واقتصادي وابداعي ، فمستهلكي الكهرباء مثلا ، يتراتبون من حيث وضعهم المدني الى درجات معيارية ( كأستخدام الكومبيوتر والحافلات وادوات المنزل المكهربة الخ ) ليصبح التشجيع على استهلاك / انتاج الكهرباء هو فعالية مجتمعية يمكن استثمارها وقياس مدى جدواها .

ليس علينا اليوم انتقاد الاستهلاك بوصفه اعتداء عولميا علينا ، لأن النقص او الزيادة به هو مؤشر على موقعنا الانتاجي السلعي والثقافي في آن واحد .

ربما يبدو جبران خليل جبران من اهم من ربط الثقافة بالانتاج / الاستهلاك … ويل لأمة تلبس مما لا تنسج ..الخ ، لتبدو ( الخ ) محقة وسط هذا الطوفان العولمي الذي لا نعرف كيف نتدبر به ..ربما العودة الى تفسير الاستهلاك لغويا اسهل الحلول علينا .. فالمهم الا توجعنا الثقافة .