في العادة يتكىء المهتمون بشؤون الحياة وفورا الى مرجعية يقينية غير قابلة للنقاش على اساس انها تحمل برهانها منها وفيها بقوة وجودها ، ويبقى الكلام كلاما لاستحالة التطبيق وربما استحالة التجربة بسبب دخول عوامل غير يقينية في عملية تمثل المعلومات اليقينية أي في تحويلها الى ممارسة، ما يخلق جدار فصل بين النسبي والمطلق ، ما يبرر اصطدامهما بعنف وتمترس ، فاليقيني لا يستطيع ان يقبل الا بالحقيقة كاملة معلوماتا وممارسة ، و ( غير اليقيني ) لا يرى اية امكانية للمارسة هذا اليقين لأن أدواته غير يقينية بشكل حتمي ، وبالتالي فأن التجارب تقودنا الى الكوراث ليقول اليقينيون ان هناك خطأ في التطبيق وان الصحيح لم يمارس ، لتدور دائرة عنفية عن الخطأ والصواب في محاولة سيزيفية لأعادة الكرة .

يقول الدكتور مراد وهبة : العلمانية هي التفكير النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق . أي ان كل مشكلة هي منسوبة بالضرورة الى زمان ومكان معينين ، وليس هناك من شيىء خارج تأثيرات هذين العاملين المتغيرين الذين يلغيان (ولو نسبيا ) اية مرجعيات يقينية ، وبالتالي يبدو حل المشكلة الحياتية مرتبطة بالتخلف والتقدم الذين يعنيان الانسجام مع ما تقدمه الحضارة والمدنية ، وليس الرفض او قبول هذه التقدمة بحل للمشكلة ، بل التفكير بهما والتفاعل ( الجدل ) معها ما يعيدنا الى تعريف الدكتور مراد وهبة بغض النظر ان كان تعريفا للعلمانية او لا ، فالعقل مولج بمقاربة وممارسة ما هو نسبي مهما كانت صحة المطلق النظرية ، لكي نتجنب فكرة وممارسة الصراع المميت بين النسبي والمطلق ، لأنه اذا كان الاطار المرجعي مطلقا ( حسب تعبير د. وهبة ) فاننا نكون امام احتمالين : اما ان يكون المطلق هو الاقوى فيتجمد النسبي ويمتنع عن التطور ، واما ان يكون النسبي اقوى فيقضي على المطلق … أحلاهما مر … وانجحهما فشل … انه تساوي بين فكر العامة وفكر ( المفكرين ).

انه قدرنا … علينا ان نغادر مناطق التفسير الى مناطق التفكير ….