قد تنتهي هذه الموجة المحمومة من المحاولات الرامية لإنقاذ عملية السلام وإخراجها من سباتها إلى تحقيق تقدم ملموس على هذا الدرب، وقد تفضي إلى طريق مسدود للأسباب الأمريكية – الإسرائيلية المعروفة، بيد أن الأهم من كل هذا وذاك، أن لا يبدو الجانب الفلسطيني واستتباعا العربي، هو المسئول عن ضياع ما يمكن وصفه بالفرصة الأخيرة لإنقاذ سلام المنطقة، ومعه حقوق شعب فلسطين أو الحد الأدنى منها.

لهذا السبب بالذات، يبدو الموقف الفلسطيني غاية في الدقة والأهمية، فلا يجوز من جهة الذهاب إلى قمة الرياض بأكثر من موقف فلسطيني واحد، ولا يجوز لهذا الموقف من جهة ثانية أن يكون – في شكله على الأقل – متجاوزا للإجماع العربي حول مبادرة قمة بيروت، الأمر الذي يملي على حكومة الوحدة الوطنية واحدا من خيارين: إما ترك جمل التفاوض بما حمل للرئيس عباس، وإما اتخاذ مواقف تنتقل من احترام الاتفاقات إلى الالتزام بها، ومن الهدنة إلى نبذ العنف، ومن الاعتراف المضمر إلى الاعتراف الصريح بالدولة العبرية.

عباس، رئيس السلطة والمنظمة لديه التفويض لخوض غمار المفاوضات، وهو بهذا المعنى حصل على التفويض الذي يمكنه من إدارة المفاوضات، ليس من اتفاق مكة، بل من وثيقة الأسرى ووثيقة المحددات كذلك، لكن الأهم من هذا، أن يتمكن الرئيس عباس، لا بل أن يمكّن من تقديم نفسه كممثل شرعي وحيد الفلسطيني، وناطق باسمه، وليس كسفير فوق العادة لحماس، يذهب إلى المفاوضات ثم يعود ليعرض ما في جعبته على قيادة الحركة ونوابها للنطق بالكلمة الفصل، ينبغي أن يكون أداء الرئيس معبرا عن المستوى المتقدم للوحدة الوطنية الفلسطينية، العميقة وليس الشكلية أو المؤقتة.

وما لم يصل الفلسطينيون إلى هذه الدرجة من الوحدة والتوحد في الموقع والموقف والرؤية، فإن النتيجة التي ستنتهي إليها "الممانعة الفلسطينية" هي السماح للقوى المنضوية في مساعي إحياء عملية السلام بالقفز من فوق قيادتهم ودورهم، وتولي القضية الفلسطينية نيابة عن أصحابها كما اقترحت رايس على أولمرت، فتكون النتيجة الوحيدة المترتبة على فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، إعادة القضية الفلسطينية إلى "الدائرة العربية" وإزالة آثار قرارات الرباط التي نظرت للمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

ثمة توجهات أمريكية – إسرائيلية جديدة، بشق مسارين متوازيين للتفاوض، الأول مع السلطة والفلسطينيين، من دون حماس أو بالالتفاف حولها، والثاني، وهو الأهم مع الرباعية العربية، وعلى قاعدة المبادرة كأساس ومدخل للمفاوضات، لا بوصفها إطار الحل وحده الأدنى.

هنا، وهنا بالذات، يأتي دور الدبلوماسية الفلسطينية التي بمقدورها أن تسهل مرور هذه التوجهات إن هي ارتضت البقاء على خطوط المراوحة السياسية والإيديولوجية، أو جعلها صعبة للغاية من خلال القيام بجهد دبلوماسي كثيف ونشط، وفي إطار الإجماع العربي، وذودا عن المبادرة العربية التي تتعرض لضغط مكثف من واشنطن وتل أبيب.

زيارة خالد مشعل للرياض وإعلانه من هناك قبوله بحصاد الإجماع العربي وحصيلته، بادرة طيبة وفي الاتجاه الصحيح، لكننا بحاجة لنرى تداعيات هذه الزيارة ونتائجها في ضوء أداء الوفد الفلسطيني إلى القمة، والكيفية التي ستتصرف بموجبها الحكومة الفلسطينية مع نتائجها وقراراتها الختامية.

الجريدة الدستور