ربما كان المنظر متناقض تماما بين فكرة الانتخابات البرلمانية ، وأسلوب حملات الدعاية الانتخابية ، فكل منهما ينتمي الى عصر خاص به ، فالانتخابات السورية وعلى الرغم من مزاياها الخصوصية جدا الا انها انتخابات تنتمي مبدئيا او على سبيل الاصطلاح الى العصور الحديثة ،بينما تبدو الدعاية الانتخابية قد جائت من العصر العثماني ايام الرجل المريض ، صحيح ان هكذا حركات تفضح دوغمائية ولكنها من النوع السمج على نحو متصل مع ثقافة المجتمع المستحدثة لمجموعة من الظواهر المائعة والمنشقة عن الفساد . مثل السمسرة والفهلوة والتشاوف على اساس الدعم … وهو ما ينطلق منه أكثر المرشحين الذين يعتبرون انفسهم مدعومين واصحاب سند يتشرف الجمهور بالنظر مجرد النظر اليهم .

جل ما رأيت من هذا الحراك الحديث فنحن في صدد انتخابات ) يتركز في المضافة في عودة رمزية الى شيخ القبيلة الذي يشير الى الخزمتجي لتقديم القهوة المرة ( ربما كان هناك تطور حداثي خطير هنا فبعض المضافات تقدم العصير والحلويات ) حيث نرى الخزمتجية يعطوا الضيوف درسا في شدة التواضع وطريقة اداء هذه الشدة التواضع ، لنصل الى طقس تراثي كامل اذا اضفنا ان المضافة هي خيمة ،ليكرس المرشح نفسه كشيخ او كوجاهة اجتماعية محمية بهذا الطقس المبهرج .

من جهة اخرى نرى ان البرنامج الوحيد هو العراضة ( طبعا مع التأكيد ان العراضة ليست فنا واعوذ بالله وانما تقليد يهدف الى شد الازر والعزيمة ). لم أدر لحد الآن ما هي قيمة او هدف العراضة والمتكرر يوميا في الموضوع الانتخابي ، ماذا يشرح ؟ ماذا يقدم ؟ خصوصا اذا انتبهنا ان العراضة تقام في أي عرس ولأي عريس . طبول وصرعة وجعير لا ينتهي الا مع انفضاض السامر ( وحدا فهم شي يا شباب ؟ )

بالذهاب الى اية مضافة ( لا يصادفك ) بل يواجهك كالقدر المحتوم اشخاص هم مجموعة الهتيفة او السنيدة وهم حتما من قبضيات هذا الزمان ، نراهم يتوشوشون بين بعضهم ومع المرشح او احد المقربين اليه وعيونهم تقطر تشاطرا ، حتى ان المرء ليخال نفسه انه في مكتب عقاري حديث او في سوق السيارات القديم /الحديث وهؤلاء السماسرة ينصبون له فخا سوف يقع فيه لا لشيىء فقط كي لا يكون مثلهم ، لذلك تراهم جاهزون للخناقات اثباتا لولائهم او اثباتا لسطوتهم كمدعومين من المرشح الذي يجب عليه ان يوحي للجمهور انه مدعوم .

هذه المظاهر وغيرها تشق طريقها الى التناقض بين الانتخاب كعملية حداثية وبين تعاملنا نحن معها بهذا التلون المريع
انها العملية الانتخابية بعجرها وبجرها ، ولكن ضرورتها تجعلنا ننتظر المستقبل عله يأتينا بالاخبار ما لن نزود .