عندما أرسل الجنرال الفرنسي غورو إنذاره الشهير إلى حكومة الملك فيصل, كان قد عقد النية على احتلال سوريا بقوة السلاح, وأعد له العدة وجهز الجيوش, ولم يكن الإنذار سوى تعجيز كتب ليرفض, تسويغاً للغزو. «بلا تشابيه» حسب قول العامة؛ ذكرني تعميم €إنذار€ وزير الاتصالات عمرو سالم للمواقع الالكترونية بإنذار غورو الآنف الذكر €مع أننا نتمنى ألا يحوز شهرته ولا عدوانيته€, من حيث إن وزير الاتصالات كما ظهر في صيغة تعميمه بخصوص إجبار الذين يعلقون على المواد المنشورة على ذكر أسمائهم الصريحة, أو حجب المواقع الالكترونية. عاقداً النية على البطش بالمواقع التي لا تسبّح بحمد وزارته, بعد تصاعد الشكوى من الواقع المزري الذي وصلت إليه اتصالاتنا الالكترونية في عهده الميمون. فالخير الذي تفاءلنا به مع قدوم وزير «تكنوقراط» لم يتحقق, على الضد من ذلك نالنا من الإحباط والخيبة أكثر بكثير مما يستحقه طموحنا المتواضع لمسايرة الركب التكنولوجي في العالم, فقد زاد عدد المواقع المحجوبة وصدرت قرارات بإغلاق مقاهي النت, وتردت البنية التحية لشبكة الانترنت, وصار الحمام الزاجل أسرع من أيميل وزارة الاتصالات الذي يعمل بقوة البخار... وكأن الوزير مصمم ومصرّ على أن يرينا العجب العجاب في قطاع معروف تماماً, أنه إذا توقفنا ولم نتقدم, فنحن حكماً نتخلف, بفعل التطور الصاروخي الذي يشهده هذا القطاع في العالم, فما بالنا إذا كنا نتقهقر خلفاً وبسرعة لا يحسدنا عليها حتى سكان الأدغال.
للأسف, كشف تعميم وزير الاتصالات الصادر بعد مداولات في رئاسة مجلس الوزراء عن جهل أركان الحكومة أيضاً بطبيعة الفضاء الافتراضي, وكأنهم دخلوا القرن الحادي والعشرين على ظهر البعير لا بسيارات الشبح سابقاً والليكزوس لاحقاً. إن إجبار المعلقين على ذكر أسمائهم الصريحة في المواقع الالكترونية مع عنوان البريد: مستحيل, هذا معلوم تماماً ولا يجهله جاهل, فما بالكم بعلماء الحكومة, لأن المعلق يمكنه كتابة أي اسم واستخدام أي بريد الكتروني في شركة عالمية, والناشر لا يملك أكثر من معرفة الـ€أي بي€, والذي لا يكشف شخصية المعلق, وفي سوريا بالذات لا يخصص أي بي لكل مستخدم, لأن لكل حزمة من المستخدمين أي بي واحد.
إذا افترضنا سوء النية والطوية عند وزير الاتصالات وباقي زملاء الحكمة ­ من حكومة ­وأن هذا التعميم نظرياً هو عملياً وعن سبق تعمد وإصرار, تكميم للمواقع الالكترونية التي تمكنت غير مشكورة من ترقيع تهرؤات وثغرات وتمزقات ثوب الإعلام السوري المتهتك, فهل يعتقد هؤلاء الفطاحل أنها وسيلة ناجعة لتحقيق المطلوب؟ خصوصا أن المواقع الإخبارية المعروف أصحابها ممن يتحركون في الفضاء الدمشقي لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين, فيما هناك عشرات من المواقع الإخبارية السورية لا يُرى أصحابها بالعين المجردة, أو هم خارج الأراضي السورية. فهل عضلات وزير الاتصالات والحكومة لا تبرز وتنتفخ إلا على الذين تحت العين وبمتناول اليد, مع العلم أن غالبيتهم, إن لم نقل جميعهم حرصاء على الاستمرار في العمل علناً وبشرعية أكثر بكثير من حرصهم على قول كل ما يجب أن يقال.
المفارقة, أن تعميم وزير الاتصالات كتب بلغة أمنية بائدة, ويستخدم القانون العام كقانون طوارئ, وكأنه لا يريد العنب, بل قتل الناطور, ومحو أثره من الوجود, عسى ولعل ذلك يخفف وطأة الانتقاد بكل تدرجاته من الهدام إلى البناء, وكل ما من شأنه هز الكرسي, حتى لو كان من قبيل الدغدغة, أو مساج إزالة التشنج الذي إذا لم ينفع لا يضر.
قد يحق لوزير الاتصالات الاستفراد بالمواقع الالكترونية والتنكيل فيها بممارسة صلاحيات أوسع من صلاحيات وزارته, طالما أن إعلامنا مني بوزير حبوب محبوب يحب كل الوزارات إلا وزارته, معه حق لأنه لا شيء فيها «بينحب», فكيف إذا تعلق الأمر بإعلام الكتروني لقيط, لا أم له ولا أب, ولد سهواً في لحظة غرام وغدر تقني غمرت العالم رغماً عنه؟
الإعلام الالكتروني في الواقع السوري «ابن حرام» لا يعترف به اتحاد الصحفيين, ولا تقيم له وزناً وزارة الإعلام, فترك لأهواء وزارة الاتصالات تعصف به كما تشاء, بحجة أنها المخولة بـ«تنظيم قطاع الاتصالات». ­ وفق ما ذكره التعميم ­ استناداً الى احكام المرسوم التشريعي رقم €35€ تاريخ 15€5€2004 المتضمن تحديد مهامها من دون أن نعلم تماماً, إذا كان تنظيم قطاع «الاتصالات والتقانة» يتضمن القبض على عنق النشر الالكتروني, وخنقه بحجة تنظيمه!!
وإذا كان ثمة جهة يجب أن تفرض وصايتها عليه, فعلى الأقل يجب أن تكون على صلة بالنشر والإعلام, لا بالتقانة والتقنيات, وليت وزارة الاتصالات تُعنى فعلاً بها, وتقوم بواجبها كأضعف الإيمان في صيانة وتطوير البنية التحيتية لشبكة الانترنت التي تغص بعدد من المستخدمين متواضع عربياً.
ليت السيد الوزير يقتصد بوعوده ووعيده, فما أصابنا من بلاوي يكفي ويطفح, إذ قبل أسبوع بشرنا بإدخال خدمة الـ«ويرلس» وكأنه يفتح الأندلس, ليسدد بعدها ضربة خبط عشواء بتعميم التكميم. ثم إعلان العمل على إصدار قانون لجرائم الانترنت, وهو ما عجزت عنه قبله اميركا واليابان والصين!! وقبل إصدار قانون كهذا, ليصدروا أولاً قانوناً للإعلام, قبل أن يلفظ هذا الجيل من الإعلاميين أنفاسه وهم يطالبون به من دون أمل يرجى, أو ليخرجوا قانون المطبوعات من الثلاجة, وليعملوا حساباً للكهرباء المقطوعة, قبل أن يتعفن القانون €إن لم يكن قد تعفن€ وتفوح رائحته €إن لم تكن قد فاحت€.
إذا كان وزير الاتصالات وسائر السادة الوزراء متضررين من تعليقات القراء المتخفين وراء أسماء مستعارة, فليسألوا أنفسهم قبل أن يتوعدوهم ويتوعدوننا بإصدار الإنذارات: لماذا ينتقدوننا؟! €على وزن لماذا يكرهوننا؟€.
بعيداً عن فكرة المؤامرة والبحث عن جواب السؤال الذهبي «من دفش من؟» ليعلم وزير تقانتنا إن لم يكن على علم: إن حجب المواقع الالكترونية عن القارئ المحلي, لا يلغي وجودها وفاعليتها في الفضاء الخارجي, هناك لا يوجد «يا أمي ارحميني», و«الفضيحة بجلاجل».

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)