طبيعة "المصادر" التي تتحفنا بها "الصحافة الإسرائيلية يوميا بشأن احتمالات الحرب مع سورية، أصبحت ظاهرة إقليمية أكثر منها مجرد محاولة لحماية "المصدر" أو للاحتفاظ بموضوعية الخبر.

هذه الظاهرة التي تتركنا سواء في الصحافة العبرية أو حتى العربية تائهون في "المصداقية"، على الأخص أنها أصبحت المرجع الوحيد لكل الأخبار التي تقلق المجتمع، فـ"المصدر المجهول" هو نجم الإعلام اليوم، لكنه في نفس الوقت يملك كما من المعلومات تضعنا في حيرة من طبيعة الحديث ومن حقيقة ما يجري. والأخطر في مسألة البحث عن "المصدر" هو اعتماد تصريحات لأشخاص من خارج الاختصاص، وهذا ما حصل مع احد الصحف العربية عندما "استنجدت" بنائب في مجلس الشعب السوري، هو في الحقيقة رجل دين، لكنه لم يجد حرجا في الحديث بشأن عسكري متعلق أيضا بتصريحات مجهولة الهوية حول قواعد بحرية روسية في سورية!!!

عمليا فإن تضخم ظاهرة "المصادر" لا تدفعنا فقط إلى الشك، بل أيضا لمحاولة البحث عن نوعية التعامل مع الإعلام، فهذه "المصادر" لا تتحدث عن حدث عادي أو عابر، بل عن حروب واحتمالات اندلاع المواجهات، وهي تشبه في كثير من الأحيان "المنجمين" الذين يقدمون لنا تنبؤاتهم على أنها يقين في بداية كل عام. فـ"المصادر" تبني رواية كاملة مبنية على تسلسل منطقي للأحداث، وتنقل ما جرى داخل "اللقاءات" كما ترسم ملامح شخصيات سياسية لا يمكن "الإفصاح" عن اسمها.

وفي المقابل فعند الحديث مع "مصدر" معروف فإننا لا نقف أمام معلومات، بل تحل أو حتى تكرار للموقف، سواء كان هذا المصدر عربيا أو أجنبي، فهو يكف عن إعطاء المعلومات مكتفيا برأيه الشخصي، ونادرا ما يتعامل مع المؤشرات، مما يجعل "المصادر" المجهولة أكثر إثار وقدرة على بناء "خيال" معلوماتي، أو استحضار دافع عام لسماع الخبر والاقتناع به.

أزمة "المصادر" تعبر اليوم عن واقع إعلامي إقليمي وليس محلي، فمهما اختلفت النسب في اعتماد "المصدر المجهول" لكنه يشكل سندا هاما في مختلف وسائل الاتصال، وهي أيضا تجعلنا نقف أمام "الظاهرة" محاولين أن نرسم ملامح جديدة لها، فمسألة "التعتيم" الإعلامي التي ترمى بوجه "إعلام دول العالم الثالث" تمتلك اليوم سمة جديدة فهي أصبحت معولمة، زتملك أشكالا من الاحتيال ليس أقلها "المصارد المقربة" و "المضطلعة" و "الديبلوماسية" وغيرها من عمليات اللعب على قناعات المتلقي.