كالعادة خير ما تجبرنا فضائياتنا العربية الكسولة على استهلال العام الجديد به, وكل عام سابق, ولاحق طبعاً, هو توقعات أساطين المنجمات والمنجمين, من المكشوف عنهم الحجاب, حتى باتت أيامنا المقبلة في سلة العام الجديد بلا تنبؤاتهم «لا نكهة لها ولا مازية» على حد تعبير أبو عنتر طيب الذكر.

ومهما كان حجم الكوارث والويلات التي يبشروننا بها كبيراً, نضطر للتفاؤل بأقوالهم عاملين بمبدأ «تفاءلوا بالخير فربما تجدونه عند... ماغي وكارمن وميشيل وسمير والشارني» إلخ... وإذا لم نجده وجاءت الكوارث على الأرض أقل بكثير من حجم التوقعات, حسبنا حفنة الكوابيس التي ينثرونها مجاناً بمناسبة رأس السنة ضمن حملة الترويج لكتبهم المتضمنة أبحاثاً فلكية معمقة تكشف المستور من عظائم الأمور الآتية بالعجل أو المؤجل, لكنها آتية بلا ريب.

وأياً كان ما تنطوي عليه من ظلام غيبي, غبي وسقيم, فلا شك في أن بصيص التفاؤل ينبعث من حجم الإقبال على قراءة تلك الكتب السنوية, والتشاؤم من انخفاض مبيعاتها, ما يؤكد أن القراءة ما زالت بخير, وتستحوذ على النصيب الأكبر من احصائيات تقرير التنمية. فتفاؤلوا يا عرب حتى لو كان الطريق إلى إلغاء العقل معبداً بالأعمال الكاملة لأهل الكواكب والنجوم, هؤلاء الذين كذبوا حتى صدقوا أنفسهم وصدقناهم, وأنستهم حمى التهافت الإعلامي التجاري أن أعمالهم يجب ألاّ تتجاوز كونها ترفيهاً لبث الأمل وتنزيه العقول من لجج الأخطار في عطل الأعياد.

العجيب ومنذ سنوات, دخل هؤلاء بكل ثقة معترك المجال السياسي, بالإضافة إلى معترك القلوب, وراحوا يحللون ويتوقعون ما سوف يجري من أحداث, والأكثر عجباً أننا نتابعهم بلهفة لنعرف مثلاً: إذا كان العماد ميشال سليمان سيكون رئيساً للبنان, فمنهم من يؤكد أن ذلك سيتم قريباً, وآخر يقول إن الأمر سيتعثر, وعلى المكسر يا بطيخ, خصوصا أن البطيخ اللبناني من دون بطيخ العالم أجمع, حتى لو انكسر أو تكسر, أو حتى انفلع, وظهر لونه القاني الدامغ للعين المجردة, يصعب بل يستحيل التوافق على تسمية لونه إذا كان أحمر أو أبيض, أو بين الثلث الضامن والثلث المعطل.

ربما تكون هذه الحيرة التعجيزية, مرد ازدهار حركة التنوير الفلكي في لبنان, والتي راحت تنتشر كالنار في هشيم المجتمعات العربية, في انعكاس خطير لمستوى تهافت وعينا وانحطاط ثقافتنا العربية الهشة. فإذا كانت غالبيتنا قبل عقد, وربما أقل, تخجل من الإعلان عن فضولها لمعرفة الطالع من خلال قراءة الأبراج أو الفنجان والكف, ونسترها بداعي حب الفضول والترويح عن النفس, باتت الغالبية الآن لا تجد حرجا في المباهاة باقتناء كتب الأبراج فور صدورها, وترداد سؤال, هل سمعت توقعات فلان أو فلانة قبل قول السلام عليكم أو كل عام وانتم بخير, ولا غضاضة في مناقشة مدى صدق توقعات فلان أو فلانة مع الرفاق في المقاهي وأمكنة العمل وحتى في مكاتب كبار السياسيين على حد سواء, إذ لم تعد تلك التنبؤات مجرد مادة للثرثرة وتجزية الوقت, بل صار «صدقها» موضع نقاش وجدال مقترن بالأدلة والبراهين.

و لا تبخل بعض الفضائيات السخية بتخصيص برنامج يعرض توقعات العام الماضي تتخللها بانوراما لنشرات الأخبار كدليل قاطع على تحققها, مع حذف لكامل ما لم يتحقق من التنبؤات, حرصاً على صدقية المتنبئ كجزء من الصدقية الإعلامية لتلك المحطات, وأيضاً حرصاً على بقاء عقل الجمهور نائما بسلام دائم وآمن. ولا تتوانى كبرى وكالات الأنباء الرصينة عن تدثيره بالرؤية الفلكية المذهلة للمنجمة فلانة أوعلتانة من قبيل­ الكلام من عندهم والأقواس والتعجب وما بين معترضين من عندنا ­: ترى فلانة للمرة الأولى تنافراً بين التوقّعات الفلكيّة والأخرى السياسيّة!!! وتبرز في هذا العام قضايا العدالة والحق والقانون التي تتحدّث عن مفاجآت وإدانات واتّهامات وفضائح تُذهل الناس!!! ثمّة انتخابات نيابيّة مهمّة في بعض «أقطار العالم»!!!­ تنجيم دولي ­ يسعى الكثيرون إلى المشاركة وإعطاء الرأي واختيار الممثّلين الأكفّاء ربما المقصود ثورات مخملية ­وقد يتحمّس الناس لزعمائهم أو مختاريهم من السياسيين!!! ­ مكانك راوح ­ ويكون الطموح كبيراً بحيث نسمع نقاشات سياسيّة واجتماعية واقتصاديّة تشدّ الانتباه!!! لكن التوقعات لم توضح ما إذا كانت تلك النقاشات ستجري في برامج «الاتجاه الفايت بالحيط» أم تحت القبب البرلمانية أم في كواليس مدن العالمين السفلي والعلوي.

هذا نموذج من التوقعات المفتقدة للخيال التي لا تشير إلى شيء سوى الى أن الفوضى التي يعيشها العالم تصح فيها كل التنبؤات, لا بل أن خيال الفلكيين مهما طال واستطال لن يبلغ بعضاً مما يجري في عالم يحكمه ويتحكم به الجنون, وبالأخص في السياسة والاقتصاد, قطبي حياة البشر ففي حين تنحط السياسة إلى درك العهر يصعد الاقتصاد إلى حد الكفر وما بينهما يعلق حبل مشنقة الوعي والعقل. فنرى قطيع السياسيين والاقتصاديين والمفكرين والمثقفين والمنجمين يتكلمون بلغة واحدة تغرق العالم بالقنوط والكآبة, مع فارق واحد أن كذب المنجمين أبيض ومسل وخال من الكوليسترول سواء صدقوا أو لم يصدقوا... لأنهم شاء من شاء وأبى من أبى يقودون حركة عالمية للتنوير الفلكي... بكل نجاح واقتدار.