12 الف ليرة سورية سعر طن الورق الواحد مصنوع في السعودية ، 16 الف ليرة سورية تكلفة طن الورق الواحد في معمل دير الزور ، وكله على ذمة جريدة الثورة الدمشقية ، السؤال المحوري والأساسي وربما الوحيد ... من أين اتى هذا الفارق وكيف .؟ لقد عرضت جريدة الثورة الموضوع في عددها المنشور في 4/ 5/2009 ولكنها لم تثر أي سؤال أو تساؤل حول هذا الاختلال العميق في بدهيات الصناعة والتصنيع ، فالورق صناعة عالمية معروفة التكاليف معروفة الاسعار ، ومن ( الخطأ ) بمكان أن يقوم أحد باستثمار خاسر بهذه الصورة المكشوفة ومن ثم يقوم بالتشكي من الاسواق الخارجية أنها تخفض اسعارها مثلا أو أن تكلفتها هي أقل من تكلفة تصنيع المنتج المحلي !!!

اذن اين يكمن الفارق ؟ هل في سعر الكهرباء والفيول مثلا ؟ واذ كان هذا الفارق صحيحا لماذا على دافع الضرائب ( المواطن ) أن يغطي الفارق وأية فائدة من ذلك ؟ اذا كان سعر الكهرباء والفيول هو بالاسعار العالمية كما تقول وزارةالكهرباء ، والمواد الأولية لهذه الصناعة بالاسعار العالمية وتبقى اليد العاملة المحلية هي الارخص حسب ما تقول البديهية فلا رواتب باليورو ولا ضرائب بالدولار ، ولا حفاظ على البيئة بالين الياباني !! اذا اين الفارق بين 12 الف ليرة للطن و16 الف ليرة سورية للتكلفة ؟ اين ( انشفطوا ) ؟ ولماذا لم يكلف الصحفي الذي كتب التحقيق في جريدة الثورة عناء الجواب عن هذا السؤال الحاضر بدهيا ؟؟؟

اليوم لم تعد الصناعة مجرد حمصاني يستطيع خلط الحمص المسلوق والطحينة والليمون ليخرج لنا بصحن مسبحة ينافس به الصينين او الالمان ، لم يعد خلط المواد الاولية وتسخينها او عجنها او تلوينها يسمى صناعة ، فالصناعة اليوم هي استثمار الأبداع الذي يتبدى في تخفيض التكلفة بكافة انواعها وخارج ذلك لا تكون صناعة لأن لا اقتصاد فيها ، والاقتصاد ليس مجرد نجاح رجل الاعمال بالحصول على ارباح ملموسة ، فالصناعة ذهنية اجتماعية متكاملة متفاعلة ذهابا وايابا مع الامكانية الاجتماعية من تعليم وفنون ومعارف ، فالصناعي الحقيقي هو من يستثمر في معمله أو مصنعه ولكنه يستثمر ايضا في البشر من خلال التعليم أو دعم الفنون ، وربما ملاحظة أن صناع الورق الفنيون في معمل دير الزور هم باكستانيون يعني تماما أن لا صناع ورق لدينا و علينا التعامل معهم كما المواد الاولية المستوردة أي أن ندفع ثمنها للخارج ، فاذا كان لب العملية التصنيعية هو الاستفادة من الايدي العاملة الرخيصة في القطر ، فالمسألة هنا تبدو كمن يضحك على نفسه اذ ان الصناعيين لا يستثمرون في المجتمع بل يحاولون الربح فقط من سوق لا يحتاج الى مصنوعاتهم تحت شعار المنتجات الوطنية . التي هي ذاتها لا تتحلى بذاك التفاعل الاجتماعي الذي فيما لو حصل ونجح سوف يأتي بأرباح حقيقية .

المسألة اليوم في هذا العالم المعولم هي اقتصادية بحتة فعد استطاعة اي مجتمع الحصول على سلعة أرخص ( نوعية عالية و سعر مناسب ) من التي ينتجها عليه الاتجاه الى الصناعات التي ينافس بها أي يشارك بها الاسواق العالمية ، وفي الاساس كان معمل دير الزور للورق مصمم ( أو هكذا اعلن ) لأنتاج الورق من التبن أو من سيقان القمح الناتجة عن الحصاد وهذا أمر فيه بعض الابداع ، ولكن المسألة تغيرت فيما بعد لتصبح صناعة كلاسيكية تخضع مثلها مثل غيرها لذات التكاليف والمصاريف ، لذلك علينا السؤال هل هناك مصاريف مخفية ترفع التكلفة بهذه النسب الباهظة أم هناك هدر ؟؟؟

هناك أمر غير واضح في تكلفة طن الورق الواحد في معمل دير الزور الذي اتى كمثال عن الصناعات المحلية ، حيث تحمل على المنتج تكلفة غير مفهومة على المواطن دفع ثمنها من جيبه . الصناعة ثقافة اجتماعية لأنها صحن يأكل منه الجميع ، والنجاح الحقيقي لها هو أن يأكل الجميع ..... وانظروا الى الدول التي لديها صناعة ...كمثال ...