لا أدري إذا كان من محاسن الصدف أن يتم إيقاف التعامل مع مسودة قانون الأحوال الشخصية المقترح واعتباره منسيا، فالمسألة الإجرائية لم نعرف عنها شيئا .. لا كيف ولا لماذا . ولكن في كل الأحوال نستطيع اعتبار هذا (القرار) ايجابيا يشكر عليه مجلسنا التشريعي العتيد ، لأنها أصغت إلى العقل والدستور ومنجزات الدولة السورية في مجالات الحقوق المدنية، ولكن المسألة وهي ثقافية بامتياز تتعدى مسألة الصياغة والإجراءات إلى نوعية العقلية التي تكمن وراء اقتراح هكذا قانون ونحن مع بدايات القرن الحادي والعشرون ، حيث يمكن قانونا ( وهذا على سبيل المثال فقط ) للسوري أن يتزوج يابانية وليس مسيحي (سوري) يتزوج بوذية أو مسلم (سوري) يتزوج شنتوية ، ولا يبطل العقد ونتائجه مدنيا في اليابان أو غيرها من بلاد المغتربات حيث لا يمكن أن يرضى أي مقترح ( من عندنا ) لمشروع كهذا أن نعامل بالمثل من حيث إبطال مفاعيل عقد زواج شرعته دولة بمثل هذه الصيغة التي تبطل العقد على أساس الاعتقاد . واليوم نحن (نفخر) بمغتربينا الذين يضاهون عدد سكان سوريا بالعدد ولديهم (وهذا طبيعي) حالات زواج وطلاق ومواريث وحقوق رعاية أطفال والى ما هنالك من مفاعيل هكذا نوع من الممارسة الاجتماعية ، ومع هذا يخضعون لقانون مدني موحد يحدد الحقوق والواجبات.

المسألة إذا ثقافية وتستحق هذا الحوار وهذا الضجيج ، وليس لأنها مسودة يمكن اعتبارها لا تستحق النقاش أو لا تستحق الالتفات ، بل على العكس تماما فإذا كان عتاة فقهاء القانون لدينا وصلوا إلى هذا التفكير الحقوقي وقدموه بهذه البداهة كي يقر مع اختلافاته مع الدستور ومع اتفاقيات سوريا الدولية حول الحقوق الإنسانية ، وكأنهم من واد آخر وعصر آخر ، ما ينبىء بنوع ثقافي مختلف أو متخلف عما وصلنا اليه اجتماعيا ما يمثل انفصالا حقيقيا بين الناس في مسارهم الاجتماعي ( اقتصاد ، فكر، علم الخ ) وبين من يفكرون في تنظيم علائقهم الحقوقية، التي أصبحت تحكمها حدود دنيا عالمية نستقي منها كما نستقي من العلوم ومنجزاتها والآداب والفنون وإبداعاتها ، كما نستقي منها حقوقيا ( سوريا مشاركة في أجاز العشرات من الصيغ الحقوقية الدولية وموقعة عليها بصفتها جزء من المجتمع الدولي ) لما لنا من مواطنين مغتربين لهم ما لمواطنيهم الجدد وعليهم ما عليهم . ويجب أن لا نرضى لأنفسنا مكانة انسانية حضارية هي ( معياريا ) أقل مما وصل اليها هذا العالم محولين الخصوصية الى غيتو يكبلنا ويغرقنا في الظلام .

الإيقاف شيء ، والإعلان عن عدم صلاحية الاقتراح ورفضه شيء آخر ، كما أن النسيان شيء، ومعرفة سبب طلب النسيان شيء ومعرفة ماذا نريد شيء آخر، فالسؤال واضح والإجابة واضحة ولا توجد أية إعاقة لفهم المطلوب ، لقد تطور مجتمعنا حتى ضاق به قانون الأحوال المدنية السابق والدولة تريد أن توجد قانون أرقى يتسق مع هذا الارتقاء وأسبابه وظروفه وموجباته للحفاظ على السلام الاجتماعي ليصبح منتجا للحضارة التي نتشارك بها مع بقية مجتمعات الكرة الأرضية ، حيث المشاركة هنا بمواطنين سليمي النية الحقوقية وليسوا حالات خاصة أو طفرات جنينة تحتاج الى معاملة خاصة .

المسألة تستحق النقاش والحوار والضجيج فالعلم هنا لا يكفي ( وهذا ما أثبتته مسودة القانون ) وانما المعرفة العصرية الاجتماعية والحقوقية والمؤسساتية هي القادرة على قراءة الواقع وقوننته بما يفيد المستقبل.