تسنى لي قبل أيام حضور ندوة استمرت يومين حول نشاط اليونسيف في الشرق الأوسط، واليونيسف كما هو معروف للعامة والخاصة هي إحدى منظمات المنظمة الأم (أي ألأمم المتحد) وهي مختصة برعاية الطفولة ولها فروعها في شتى أنحاء العالم بما فيها المنطقة العربية، واليونيسف هي (كما رأيت أنا على الأقل) هي منظمة ثقافية بالدرجة الأولى إذ تسعى الى توعية الناس ثقافيا حول الطفل والأم والحقوق الدنيوية للطفل وما يتبعها من إجراءات وممارسات للوصول الى طفل (سوي). وأمام كلمة "سوي" وما يشبهها تبدأ العقبات إذ ماذا نعني بـ سوي هذه؟ لذلك تجاهلتها الندوات والنقاشات ، لتستعرض مواضيع تهم الطفل العربي بالدرجة الأولى مثل الختان، أو زواج القاصرات، ودور الإعلام والدراما في التنشئة وعبرت كل الندوات بسلام جزئي، أو لنقل بعدم إجماعي بسبب التباين الشديد بين ما تريده اليونسيف وما يريده الكثير من المنتدون حول مراعاة التقاليد والأصول والخصوصيات، التي هي في الحقية الخصم وعلينا مراعاة لها أن تتحول الى حكم أيضا .

فبينما ابتدأت الندوات باستعراض حقوق الطفل العالمية والتي وقعت عليها الدول، يعود المجتمعون لحل مشكلاته بالطرق الخيرية التطوعية، فالذي لا يزوج ابنته القاصر يكون قد فعل خيرا وإذا فعل فهذا حقه بينما دولته وقعت على اتفاقية حقوق الطفل، وبهذا يكون قد نجح المنتدون الأبطال بترويض اليونيسف، فكلام اليونسيف صحيح مئة بالمئة ولكن دعونا نطبقه حسب الخصوصيات، من هنا يبدو نجاح المنتدون ومن يمثلونهم بتخليف (من تخلف) اليونسيف التي تمتلك مقاييس أو نماذج معايرة لما يمكن أن تكون عليه حقوق الطفل .

وفي الحوار حول دراما الطفل طالبت إحدى السيدات المنتديات وهي صانعة أفلام بالمحافظة لى دهشة الأطفال، ولكن الأطفال الذين يجب المحافظة على دهشتهم يعانون العنف والفقر وسوء التعليم والجور الصحي ...ولكن دهشتهم والمحافظة عليها ضرورية في هذا الوقت بالذات لهذه السيدة التي حاولت أن تراهم كوسائل إيضاح مدهشة.

ليس هناك من جديد في ندوة اليونيسف هذه فالخير واضح والشر واضح، وتبقى الثقافة التي تميز الخير من الشر هي المختفية فما بالنا بثقافة اجتماعية تستطيع التمييز الخطأ من الصواب؟؟؟؟

نزول اليونسيف ثقافيا الى مستوى المجتمعات التي تعمل بها بدلا من صعود هذه المجتمعات اليها بحكم القانون وحكم الاتفاقيات الموقع عليها، يمكن اعتباره خطوة في الهواء مع كل الجهود العملية التي تبذلها هذه المنظمة، ولكن وفي السياق الأخير ظهرت وبدلالة ما أنطلق من أفواه المثقفين المهتمين بها لا تعدو عن جمعية خيرية تغسل أمواتا ولا تضمن الجنة لأحد ...مع أن الرؤية واضحة كالشمس .

هل ستنتج اليونسيف بأموالها ومجهوداتها أجيالا تخرب ما تنوي الوصول اليه؟؟؟ سؤال لا بد من طرحه على مؤسسة يغلب عليها العمل التثقيفي؟؟؟