ربما عرف الكثيرون في منطقتنا أن نسبة الأطفال بين ظهرانينا تساوي حوالي 13% (أقل من خمس سنوات)، وربما عرفنا جميعا أن هذا الرقم غير قليل خصوصا ذا قارنا الموضوع مع نسب الكهول والعجائز والمتقاعدين، أو إذا قارناه مع أرقام الإنتاج الحقيقية بالنسبة للأعمار المناسبة للعمل، طبعا إذا تناسينا نوعية المنتجات وتناسبها مع الحاجات لنلحظ أننا أمام مسألة (طفولة) بحاجة الى حل إستراتيجي لا تنفع معه الحلول الإسعافية أو الخيرية من بناء مدارس أو مراقبة عمالة الأطفال، أو المحافظة على حقوق الطفل (دعوة اليونسيف) والخ من الممارسات المفيدة نظريا ولكنها على صعيد الواقع العملي تزيد الطين بلة، فالبنية الثقافية والمعرفية التي بنيت عليها الأجيال سابقا لم ترق الى صلاحية الإنخراط في الإنتاج بمعناه المحسوب والمخطط أو لنقل المنطقي، فالتعليم والصحة والشبع والأمان، هي حقوق أولية بسيطة لا يمكن اعتبارها هدفا مهما أو (محرزا) نعمل على تسديده، لإن هذه المسائل كان يجب أن تسدد في الماضي، ما يحمل الحاضر مهمتين ثقيلتين بالكاد حصلنا على نتائج أو عرفنا أننا حصلنا على نتائج من الأولى البسيطة منهما، ومع هذا يبدو الأمل كبيرا فنسبة الأطفال لمتزل (محرزة) لإعادة النظر وعمليا في الخطط الموجهة لهم .

لا تبدو عمليات التعليم سيئة (في ظرفها الحالي) ولكن السيء تماما هو تقييمها، والأسوأ هو طرائق البحث أو استطلاع نتائج هذه العملية، فبالعموم لا أحد يدري تماما ما هي نتائج العملية التعليمية إلا من خلال التطبيق العملي أي بعد انقضاء فتة الطفولة وانتهاء عمليات التربية والتعليم، والنتائج كما يراها ويلمسها الجميع هي نتائج مخيبة على الصعيد المجتمع وأدائه، لذلك يبدو من الأولى والأجدر النظر الى العملية التربوية كعملية إستثمارية تماما، فالطفل هو إمكانية إجتماعية كامنة على المجتمع صقلها ومعايرة هذا الصقل للحصول على أحسن ما يمكن من الإنتاج كما ونوعا كتعبير عن مصلحة الفرد والجماعة في آن معا، وهذا يحتاج الى تغيير في النظرة الى ألمناهج إنطلاقا مما هو مطلوب منها، فالمناهج عليها تعليم الانخراط في الحياة الإجتماعية بما يوازي تماما العلم الذي تقدمه، وهي مسألة لما تزل في واجهة الأزمات المدرسية التي يلاحظها المشرفون الإجتماعيون في مدارسنا ولا يتكلمون عنها لإنها لا يمكن تحويلهاالى أي شيىء إجرائي، في مقابل تراجع القيمة العملية للتعلم في حالة الإنخراط الإجتماعي للمتعلمين بسبب القصور في تبين المصلحة الشخصية من هذا الإندماج الإجتماعي، حيث تخضع هذه المصلحة لإمثلة التجربة الإنتاجية الإجتماعية التي أثبتت فشلها !!

لتبدو أن المدرسة والمنزل والوسط الإجتماعي (هذه الجملة التي كم فرحنا في ترديدها) غير كافية لتخريج الأطفال الى سن الإنتاج وهم بسويات معقولة يمكن التعويل عليهم في إنقاص كمية الشكوى من نقص الإنتاج الإجتماعي أو تخلفه . فالمسألة منهجية هنا ولا يمكن التعويل على المناهج التربوية بدلالة المناهج التعلمية التي نستقيها من البلدان المنتجة للعلم والمعرفة، إذ يتم التنازل عن جزء من (الهوية) مقابل علم أرقى أو أصح أو أكثر تناسبا مع حاجات العصر والتعامل معه (بالهوية) الباقية والمدورة من جيل الى جيل كجزء من المقدسات ، حيث يفعل هذا التناقض فعله المخرب في البنية الإنتاجية، إذ لا يعني شيئا تخريج هذا الكم من الأطباء والمهندسين وتبقى أرقام إستيعاب المشافي مثلا على حالها مع إزدياد السكان ، حيث نمتلك فائض كبير في الأطباء والمهندسين ولكن لا نتائج عملية أو إرتقائية على صعيد الواقع الإجتماعي . حيث تبدو المصلحة الفردية هنا (بمعناها القديم) مسيطرة ومشروعة ومباركة وتدعو الى الفخر والتبجيل، ولمنها في واقع التربية الإجتماعية تبدو كقدوة غير حسنة، لإن الإرتبتط بها هو إرتباط قسري وعنيف، فالموظف الذي يتمتع بتأمين صحي (مثلا) في القطاع العام يذهب الى العيادات والمشافي الخاصة حتى ولو تكلف الأمر مدخراته كلها أو استدان، هذا المنظر (المثال) يمكن ملاحظته كنتيجة نهائية للعلملية التربوية، التي تبدأ من الطفولة .

يقال أن كل 1 واحد دولار يستثمر في التربية يعطي 8 ثمانية دولارات عند الحصاد، لا أعتقد أن هناك عملية إستثمارية يمكن لها أن تعطي هذا الرقم من الأرباح خصوصا إذا وثقنا أن الحصول على هكذا أرباح يعني إستمار أمثل لهذه الأرباح أيضا أي أن الموضوع يسير في طريق الإرتقاء ، وبالتالي الشبع والأمان وهو ما تحتاجه الأوطان للبقاء .

الطفولة مرحلة تقنية بالنسبة للمجتمعات الحية يمكن تطويرها بإتجاه الإنتاج وإلا ستتساوى مع الشيخوخة كحالة إستهلاكية مع فارق أن الطفولة سوف تستمر بينما الشيخوخة لها نهاية محتومة .