الكاتب : نجيب نصير

ربما كان من المهم والحال في المجتمعات العربية على ما نراه، الالتفات إلى العوامل المؤسسة لهذه الحال التي تتراوح بين ثورة، على ما تم توصيف الثورة المصرية أو التونسية به، وبين المجزرة التي تفوح روائحها من ليبيا، والعالم ليس ساكتا بل يبحث عن صيغة لأكل لحم الكتف المشفى من آبار بترول وسوق عطشى وأحابيل سياسة، والالتفات هذه يتضمن فقرة واحدة كبرى هي الثقافة الاجتماعية، عل من يبحث عن تعريف واضح للشعب يراه في ثناياها، فالصورة دوما تتحول مفرزة تراكمات التجربة الاجتماعية المستمرة تحت أي ظرف من الظروف، فالناس تعيش لتتعلم كيف تعيش بطريقة أحسن، ولكن مستنقع الثقافات العربية يجود بالموجود فلا الثورة المصرية سوف تأتي بالمعجزات ولا دماء الليبيين المسفوحة سوف توقظهم على واقع اجتماعي وواقع سياسي عالمي يحتاج إلى قدر أكبر من الثقافة والمعرفة للعبور الى هذا "الأحسن".

"ثورتين" هامشيتين في مكانين مختلفين في كل شيء ولكنهما متشابهتين الى حدود التعاكس واختلاف الاتجاه والجدوى، ومع هذا هما تعبير عن ثقافة اجتماعية لا تلقيان العناية لا الكافية ولا القليلة بهما مع أنهما تؤديان الى هدفين مختلفين تماما.

الأولى في لبنان، دعونا نسميها تجاوزا ثورة، فهذا التراكم الطائفي للثقافة وصل الى طريقه المسدود، والتخويف من العلمانية "الكافرة" لم يعد يجدي مع أزمة الرغيف المنبثقة عن أزمة المواطنة ذات الحقوق والواجبات، فتحولت "الثورة" من بضع مئات حسب شهود العيان الى عشرين ألفا حسب شهود عيان أيضا لتتغير النظرة الى مفهوم الأكثرية كي يصبح السؤال هل الأكثرية هي من أكان على حق أم هي من كان على عقل في وسط ثقافي مرتج وليس من المنتظر نضوجه في المدى المنظور، ومع فشل أو نجاح الثورة المضادة يبقى هذا التعبير الثوري علامة فارقة على فشل مفهوم الدولة الاستثنائية أو الخصوصية لتبدو كل التبجحات الإعلامية والإعلانية عن ديمقراطية إقتراعية طائفية ما هي إلا قبض ريح مقابل مفهوم الدولة كجهاز حديث ارتضت الشعوب استخدامه.

في المقابل ننظر الى "ثورة" المحتسبين في السعودية والتي جرت في معرض الرياض الدولي للكتاب حيث تظاهر "ثار" (مع أن التظاهر ممنوع شرعا) المحتسبون ضد الحرية تحديدا وضد العقل تحديدا، ولتهموا السلطات "الثقافية" بالانفلات وترويع الثقافة الاجتماعية بالتغريب، ومنعوا التصوير وهاجموا بعض الرموز الثقافية الخجولة، وانقضوا على أصحاب الأجنحة من العارضين بالسباب والشتائم والتثريب لدرجة أن هيئة الأمر بالمعروف تبرأت منهم واعتبرتهم (متخلفين) الخ، إلا أن الاتجاه الثقافي للمجتمع يجب أن يعبر هذه المحطة وهو في طريقه الى الوراء ما دام الأمام مغلقا حتى إشعار آخر.

"الثورتين" ناتجتين تماما عن الوعد بالتنمية، وعندما لا تحصل هذه التنمية في الاتجاه الموعود مهما كان هذا الاتجاه للوراء أو للأمام، فإن انسدادا ما سوف يحصل لا محالة، هذا يشبه ويوازي التوقف عن الإنتاج الناتج عن عدم نسقية التنمية، بمعنى ضرورتها وعلى نفس الدرجة من الأهمية بين أنواعها في ذات الوقت.

الثورتين توضحان أن هناك ثقافات عربية وليس ثقافة عربية واحدة، حيث لا يحل الإنتاج غير المجتمعي المشكلة (كالبترول أو المعونات الخارجية مثالين)، فالفارق بين لبنان والسعودية على الرغم من وحدة موضوع الثورتين (الدين والطائفة)، إلا أن الانسداد التنموي السياسي اللبناني يبدو على عقل بينما الآخر يبدو تماما على حق .