الكاتب : نجيب نصير

أنقسم الشارع العربي شعوبا وسلطات وحكومات مرة أخرى بمناسبة قرار مجلس الأمن الذي أتخذ تحت البند السابع بالتدخل في ليبيا، حيث بدت فكرة التدخل ذاتها كفكرة اصطفائية مع كل ما ذاقت الشعوب العربية من ويلات بسبب التدخلات المباشرة وغير المباشرة بصورته الأميركية (الأكثر غشامة وشفطا للخيرات)، أو حتى الأوربية، فالتدخل ألأجنبي يأخذ باليمنى أضعافا مضاعفة مما يقدمه باليسرى، لإن النقطة الأساسية في التدخل أن الأمور التي تأتي بعده ليست ( على كيف أحد ) أو ليست على مقاس مصالح أحد إلا مقاس المتدخلين ، وعليه يمكن رصد المواقف العربية منذ التدخل الدولي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، لنلحظ الواقع الثقافي والسياسي المائع الذي واجهت به الدول العربية موضوع التدخل ذاته .

نتذكر ونحن ننظر الى الاحتفالات في بنغازي بمناسبة إصدار قرار مجلس الأمن بالتدخل، تلك الاحتفالات والإرتياح الذي عبرنا عنها نحن العرب إبان قصف بلغراد وصربيا ومن ثم (تحرير) الكويت، ومن بعده غزو العراق وأخيرا و ليس آخرا المحكمة الدولية في لبنان، واليوم ليبيا !!!

العبرة ليست مهمة إطلاقا في هذا السياق السياسي، فالمسألة ثقافية برمتها، فالانسداد الحضاري المدني الذي عانت منه الشوارع العربية هو ناتج عن هذه الثقافة المتذبذبة تجاه التدخل الأجنبي، أو بالأحرى اللاثقافة تجاه هذا الموضوع ، فليس العرب بمجموعهم على رأي واحد تجاه الموضوع من جهة وهذا ليس هاما بحد ذاته، ولكن عندما يطلب الشعب ويفرح بالتدخل الأجنبي كما حصل سابقا في العراق وشاهدنا المآل المزري لهذا الطلب، ويحصل اليوم في ليبيا، ليعبر عن هذا الانسداد الحضاري مضافا إليه أو يندرج في تفاصيله انسداد إجرائي واقعي وعملي .

التدخل الأجنبي ليس مجانيا كما يتبادر للذهن، بل هو نتيجة لحسبة جهنمية أممية، تريد أن تحصد نتائج هذا الانسداد.

المتابع العادي للشأن الليبي لا تفوته تلك المصالح المعلنة والمؤجلة جراء ما يحصل ، ولكن من هو الملام ؟، هل يلام الطامعين الخارجيين على طمعهم ، أم الذين مارسوا الثقافة الموصلة الى الانسداد؟ سؤال لا بد منه علينا توجيهه للشعوب والمجتمعات والثقافات العربية، التي تفهم بالعواطف والإنجذابات الماورائية أكثر بكثير من معرفتها بالوقائع والمصالح، وقوانين العيش الاجتماعي .

في المصالح الأممية ليس هناك مجال للعفو... فالذي يغفل عن مصالحه الواضحة في الدولة الحديثة، فلن يجد إلا المستغلين لهذه الغفلة، دون حب أو كره أو تعاطف أو جنة أو نار، فالدولة الحديثة قوانين تشبه قوانين مادة الفيزياء أو الرياضيات في المدارس، إذا لم تطبقها وبدقة ، تحصل على علامة قد تكون أدنى من الصفر المكعب .