الكاتب : نجيب نصير

طالما سمعت عبارة أن الفيس بوك يشكل فضاء، ربما كانت هذه العبارة من الاختصارات المعهودة في الكلام، حيث يتبعها الكثير من المدائح أو لنقل مبررات لمتعة يشكك الكثيرون من مستخدمي الفيس بوك وبطريقة مواربة في مدى صلاحيتها أو صلاحها أو فائدتها، فالخوف من التكنولوجيا لما يزل واحد من البنى العميقة والمؤسسة في الثقافة الإجتماعية .

ربما كان واضح أن الفيس بوك هو قطعة ملحقة بالثقافة الاجتماعية وكذلك الكومبيوتر نفسه وشبكة الإنترنت، كما يظهر هذا الإلحاق هو إلحاق إجباري وليس إضطراريا، إجباري في سياق الإنتاج والتسويق المعولم، وليس اضطراريا لإن الشبك المعرفي مع العالم الحالي يحتاج الى بنية ثقافية مطورة أو متطورة بما يعني أنها منتجة أو قادرة على الإنتاج ليصبح هذا الشبك المعرفي كتحصيل حاصل لقاعدة معلومات متفق عليها سلفا .

وبالعودة الى التعريف الشعبي للفيس بوك (فضاء)، لنتساءل هل هو فضاء إضافي متصل بفضاءات تعبيرية أخرى؟ أم هو فضاء أصلي موجود ومعتمد من الثقافة الإجتماعية وما التكنولوجيا إلا عامل مساعد على تفعيله؟ أسئلة قد تبدو متأخرة فالسرعة في استهلاك التكنولوجيا وانتقالاتها تجعل الكثير من الأسئلة خارج نطاق التروي من جهة وخارج نطاق الابتكار أو الرؤيا من جهة ثانية، فالفيس بوك وغيره من السلع التكنولوجية يقف كغيره على حاجز الأبيض والأسود أو الممنوع والمسموح .

لم يأت الفيس بوك في إطار الثقافات العربية كتعبير عن إنغماس في العمل مثل وضيق الوقت وتنظيمه المحكم عن المجتمعات التي رأت به أداة مساعدة على اختصار الزمن، كأن ترسل باقة ورد وأنت في بروكسل الى صديق في أثينا مثلا، أو في بروكسل نفسها موفرا وقت شراء الورود الى أشياء أخرى، فالكثير من مستخدمي الفيس بوك في بلاد العرب هم إما بلا عمل أو يتسلون به على حساب العمل وهذه ليست شتيمة أو إساءة بقدر ما هي توصيف، لموقع الفيس بوك وربما الكومبيوتر نفسه وللشبكة العنكبوتية في الثقافة الاجتماعية، حيث تخلو الدراسات الاجتماعية العربية من نقد هكذا نوع من أنواع صناعة الرأي، أو بحث التأثيرات الأساسية والجانبية لدخول هكذا تكنولوجيات في الأداء الإجتماعي.

هذه المرة يبدو الممنوع أو المسموح أو الضرر والنفع وغيرهما، كمعايير تقييم فائدة أية تكنولوجيا، لا تنفع في مناقشة هذا الفضاء، لإن ليس هناك من وسيلة حقيقية تستطيع التأثير الحقيقي في التكنولوجيا، لقد حاول الكثيرون ( ترشيد) استهلاك التلفزة والإذاعة الخ لكن التكنولوجيا استمرت ليصبح الترشيد مضرا أمام الارتقاء السريع والمتشعب والمتراكب للتكنولوجيا ومنتجاتها، حيث يبد الترشيد نفسه كقامع للإنتاج أو للجدل المنتج، حيث تعيد الثقافة الإجتماعية إنتاج ثنائيات الأبيض والأسود، مع الرضى بتحمل نتائج عدم تعديل الثقافة الإجتماعية لتتراكب مع منتجات التكنولوجيا ،ومن هنا قد يبدو الفيس بوك وغيرها وربما أشياء لا تخطر على البال مستقبلا، كملحقات غير أصلية في الثقافة الإجتماعية بسبب قدرتها على تطنيش الثقافة الإجتماعية ، عبر العزل المتبادل ليتحول (فضاء) التواصل الإجتماعي الى معزل، لإن الحاجة اليه لم يتم إنتاجها في مختبر الثقافة ألإجتماعية.