الكاتب : نجيب نصير

لم تكن الجزيرة يوما و(لا غيرها) من الفضائيات المتكاثرة، تعبر عن جمعية خيرية للصحافة والإعلام، ولم تكن يوما محايدة، أو بلا غاية تكتيكية أو إستراتيجية، بل كانت على الدوام انتقائية توظف الخبر وتحاليله توظيفا احترافيا يراكم النتائج تحت شعار الموضوعية وتحت سمع وبصر الإعلام والفضائيات الأخرى التي لا تمتلك حول أو قوة احترافية، أو مهارات تكتيكية، تجعلها أهلا للتنافس أو الرد الإستراتيجي طويل النفس، مع إعلان الجزيرة نفسها أنها قابلة بالتحدي التنافسي ولكن بلا مجيب لهذا التنافس إلا من فضائيات قليلة (منها العربية)، وفضل الكثيرون من أصحاب الإعلام التطييب للجزيرة على (موضوعيتها) التكتيكية، دون أي حساب لإستراتيجياتها، حيث انكشفت اليوم الصيغة المركبة للإعلام، مقابل الصيغ التبسيطية له، عندما تحولت (الموضوعية) إلى استثمار على رأس البيد، ولا أحد يمون عليها، حتى وهي تلعب بالدماء، طالما هي في المنأى التنافسي الذي تعلنه (ببراءة)، ما يجعل منها طرفا موضوعيا وليس محايدا أو حتى شريفا، عبر تلميع الخطوط الحمراء الإنسانية والمواطنية ومن ثم تجاوزها ببرودة موضوعية تحت شعار الرأي والرأي الآخر الذي مارسته طويلا مركزة على خطط وأهداف موازية، جاعلة من الشعار استهلاكا يوميا مواربا ولكنه ينحو تربويا باتجاهات استثمارية تهديديه، لم يستمع أحد الى التنبيهات حولها .

اليوم لا يمكن النظر في تأثيرات هذه المحطة وغيرها عبر إغفال تأثيرها التربوي المتراكم، والناتج عن غياب الفعل الإعلامي المنافس، إلا برفض المس بالمحرمات الاجتماعية والمواطنة التي تشكل نسيج المجتمع كطريق مختصرة لمواجهة تحديات التربية المشوهة، التي تهشم البنية الاجتماعية بأدوات هذه البنية نفسها.

في هذا العالم لا يوجد مؤسسات خيرية سياسية أو إعلامية فالمصالح هي الوحيدة القادرة على رؤية المسار الصحيح، ووعي هذه المصالح هو لذي يخلق الأدوات والأداء، القادرة على توظيف الجهد في الصالح العام، هذا الصالح الذي لا يمكن أن يغيب إلا عن الغوغاء الذين (يقصون ومن ثم يعدون).