وسط جملة من المؤتمرات تظهر القمة العربية في بغداد لتمثل نوعا فاقعا من التجميع السياسي، فالقمة بذاتها ربما لا تختلف عن أي قمة عربية من حيث القدرة على التحرك، لكنها في المقابل تحمل هاجس البحث عن زمن جديد لم يتكون، وسط تباين الصورة السياسية للدول العربية التي تخدل في مرحلة البحث من جديد عن هوية سياسية.

سورية ستغيب عن القمة بينما ملفها سيكون حاضرا، ودمشق أيضا تعتبر نفسها غير معنية بأي مبادرة تجاهها، لكن في المقابل فإن السؤال المفتوح هو عن قدرة أي عمل عربي على كسر الحواجز التي ظهرت خلال عام، فالصورة العربية تحمل معها اليوم ثلاث وجوه:

الأول وجود كتلة سياسية خليجية واضحة المعالم تحمل معها "استراتيجية" مواجهة، فهي "مواجهة" مع كتلة سياسية كانت تتمحور حول دمشق واليوم تبدو مازالت قائمة على الأقل في خطاب سياسي يظهر من بعض الأطراف الإقليمية كإيران مثلا، فالكتلة الخليجية تريد سحب الأوراق الاستراتيجية من دمشق ووضعها في أي مكان آخر.

الثاني مجموعة دول متفرقة عاشت تحولات حادة مثل مصر وتونس وليبيا والأردن، ولكنها حتى اللحظة لم تحسم خياراتها العامة فيما يتعلق بأدوارها العربية على الأقل، فالزمن الجديد بالنسبة لها مازال مليئا بالاحتمالات، وهي في نفس الوقت تعيش أزماتها الخاصة التي تتحرك الايوم على مساحة رمادية.

الثالث هو مجموع عربي يجاهد في صياغة تحولات داخلية تستوعب أي حالة طارئة نتيجة اضطرابات عربية عموما، فالجزائر والمغرب وموريتانيا هي دول أيضا لم تكن تملك الحضور الكافي في القمم السابقة لكنها اليوم يمكن اعتبارها دول الوسط العربي التي يمكن أن تبحث عن "هوية مغاربية".

أخر قمة حدثت كانت في ليبيا، وقمة اليوم ربما لا تحمل الكثير إلا انها ستدفع حكما للتفكير بهذا التكوين القادر على التشتت وربما التبعثر على مساحة صراع الاستراتيجيات الخارجة عن أي إطار مرتبط بمصالح شعوبها، فمعركة الجامعة اليوم هي بين أطراف عربية لم تعد تملك الجامع الحقيقي، وربما تحتاج لإعادة رسم إطار جديد يجمعها بعد أن أصبحت أزماتها مزمنة ولا تحمل أي ترابط مع صراعها الاجتماعي أو حتى صراعها الوجودي.