جرى انتخاب فرانسوا أولاند رئيساً لفرنسا من خلال الاستثمار في الغموض. يكفي الرجوع إلى تصريحاته السابقة، كي نتأكد من دعمه المطلق لإسرائيل، وتبخر وعوده لناخبيه بالتغيير. كان على العكس من ذلك، امتدادا لسلفه. وهذا ما يدعونا إلى الاستنتاج بأن فرنسا تخلت تدريجيا عن سياستها المستقلة، وانحازت إلى صف الولايات المتحدة وكذلك إلى آخر دولة استعمارية في هذا العصر.

وقد أوضح بعض المعلقين السياسيين حقيقة الموقف الفرنسي أثناء مفاوضات مجموعة 5+1 مع إيران، إما من خلال الخضوع للإملاءات السعودية، أو باتخاذ يهودية وزير الخارجية لوران فابيوس، مرجعية له، في تجاهل تام بأن سياسة فرنسا في الشرق الأدنى تغيرت بشكل عميق خلال السنوات التسع الأخيرة.

كان ذلك في عام 2004، حين حصلت القطيعة بين جاك شيراك وبشار الأسد.

كان الرئيس السوري تعهد لنظيره الفرنسي بمنح شركة «توتال» أفضلية في المناقصة القادمة. لكن حين وصول العرض الفرنسي إلى القصر، تبين أنه مجحف بحق البلد، ما جعل الرئيس الأسد يعيد النظر في وعده.

هائجاً من الغضب، قطع جاك شيراك العلاقات مع سورية، وتقدم بمشروع القرار 1559 في مجلس الأمن.

ثم بعد ذلك، انتخب الفرنسيون نيكولا ساركوزي دون أن يعلموا بأن رئيسهم تربى جزئيا، حين كان طفلا، في حضن فرانك ويزنر، أحد أهم قادة وكالة الاستخبارات المركزية.

عندما شعر ساركوزي بالاستياء من أنه صنيعة الولايات المتحدة، كشف عن أصوله اليهودية وأخذ بتطوير علاقاته مع إسرائيل. كانت سياسته الخارجية خاضعة لإملاءات واشنطن، وبما أنه لم يكن في ذلك الحين أي فرق بين إسرائيل والولايات المتحدة، فقد بدا وكأنه يشكل كتلة معهما.

لقد شغل أولاند منصب الأمين العام لحزبه طوال عشر سنوات متتالية بفضل اعتداله: لقد مكنته عدم تبعيته لأي من الزعامات، وامتناعه عن قيادة أي تيار، من الامساك بالحزب والحفاظ على التوازن بين المتنافسين على بلوغ قصر الاليزيه، ملتزما دوما بعدم الإفصاح عن رأيه الشخصي مع قدر واف من الشفافية، إلى درجة أن الجميع اعتقدوا أثناء حملته الانتخابية الرئاسية أنه رجل معتدل، وسوف يعرف كيف يحيط نفسه بشخصيات من ذوي الخبرة. غير أن ناخبيه كانوا أول المحبطين.

لم تنكشف حقيقة أولاند إلا بعد ولوجه قصر الاليزيه، ووضع حفل تنصيبه تحت رعاية جول فيري، منظر الاستعمار. وفي صحيفة لوفيغارو، ذهب صديقه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى درجة مقارنته بتملق مع ليون بلوم، وغي موليه، على الرغم من عدم تمتع الأخير بأي شعبية في فرنسا.

لم تكن تلك المقارنة بريئة.

عام 1936، حاول بلوم تجاوز بريطانيا واقتراح إنشاء دولة إسرائيل في لبنان الخاضع آنذاك للانتداب الفرنسي.
بينما حاول الثاني عام 1956 الاستيلاء على قناة السويس بمساعدة الجيش الإسرائيلي. على الرغم من أن تقليص أولاند لتدخلاته في الشرق الأوسط، حين كان رئيساً للحزب الاشتراكي، إلا أن قناعاته كانت معروفة للجميع:

عام 2000، شارك في صياغة الخطاب الذي ألقاه ليونيل جوسبان في جامعة بيرزيت، والذي نعت فيه المقاومة اللبنانية بالإرهاب.

عام 2001، طلب من أحد الخبراء في الحزب الاشتراكي تقديم استقالته إثر انتقاداته للانحياز الأعمى للمواقف الإسرائيلية.

عام 2004، وجه رسالة إلى المجلس الوطني للإعلام المرئي طالب فيها بحظر بث قناة المنار.

عام 2005، تعهد أمام المجلس التمثيلي للهيئات اليهودية في فرنسا (المعادل لـ«آيباك» في الولايات المتحدة) بطرد كل الدبلوماسيين المتعاطفين مع العرب من وزارة الخارجية.

عام 2010، وقع مع برنار هنري ليفي في منبر مفتوح ضد مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.

تجد سياسة الحزب الاشتراكي عموما، وأولاند بشكل خاص، جذورها في الحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، والتي كان جول فيري رائدها، بينما كان تيودور هرتزل مروجها.

تمكن صهاينة الحزب، بمبادرة من دومينيك شتراوس كان، من التجمع حالياً في رحاب حلقة ليون بلوم السرية والقوية، التي أصبح رئيسها الفخري، جان مارك ايروت، رئيس وزراء أولاند.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي

titre documents joints


(PDF - 168.9 كيليبايت)