منذ اعتزال فيدل كاسترو, ووفاة هيغو شافيز, والحظر على محمود أحمدي نجاد لتسمية مرشح في الانتخابات الرئاسية الايرانية, لم يعد للحركة الثورية زعيما عالميا يقودها, أو بالأحرى, لم يكن لها قائد بالأصل.
مع ذلك, فإن اصرار بشار الأسد وهدوءه جعلا منه الرئيس التفيذي الوحيد على مستوى العالم, الذي صمد في وجه هجوم منسق من أكبر تحالف استعماري بقيادة واشنطن, والذي أعيد انتخابه من قبل شعبه باقبال منقطع النظير.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة, تحول الطبيب الخجول الذي ضغط عليه كي يخلف والده, إلى قائد حرب. لقد كشف خطاب القسم إلى أي مدى غيرته الأحداث.
المثل الأعلى الذي عبر عنه, تجسد قبل أي شيء بخدمة الوطن الجمهوري, وكفاحه في الدفاع عن رجال ونساء كان مقدرا لهم أن يعيشوا تحت نير ديكتاتورية دينية في خدمة الأمبريالية. كان يتحتم عليه في بعض الأحيان أن يقاتل دفاعا عنهم, وضد ارادتهم في نفس الوقت. قاتل دفاعا عن هؤلاء, رغم شكوكه في بلوغ النصر, مفضلا الشهادة من أجل عدالة قضيته, على قبول منفى العار الذهبي الذي عرضه عليه الغرب.
كان الأمر في البداية بالنسبة للرئيس الأسد يتوقف عند الصمود في وجه الضربات الأمبريالية. لكن عندما لاحت له بشائر النصر, أتته العزيمة بالمضي إلى ما هو أبعد من ذلك : الطعن في الفوضى الثورية, تماما كما رآه هيغو شافيز, في الوقت الذي كانت دول العالم لاتزال تنظر إليه كوريث لوالده لاأكثر.
من هذا المنطلق, ومهما بلغت درجة خيانة بعض السياسيين, فإنه من غير الممكن للأسد أن لاينهض للدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يذبح الآن على أيدي المستوطنين في غزة.
الثورة في نظر بشار الأسد هي في المقام الأول معركة تحرر من الظلامية الدينية. وهي بالتالي الضامن لانعتاق كل فرد بشكل حر بغض النظر عن دينه. وهي تؤكد بذلك على علمانيتها, أي أنها تتعارض كليا مع الجمود الديني. وهي ترى أن الخالق لم يولي أي دين عناية خاصة دون باقي الأديان, باستثناء جعل العدالة قاسما مشتركا بين الجميع. وهي بالتالي تحصر مسألة الايمان بالله في المجال الخاص بالفرد, بشكل يصبح فيه هذا الايمان مصدر طاقة تسمح لكل فرد بالنضال ضد العدو والانتصار عليه بشكل جماعي, حتى لو كان متفوقا بقوته.
مثل أي شخص خاض حربا طاحنة, لايمكن لبشار الأسد أن يسلم بفكرة أن كل هذه الفظاعات التي ارتكبت, ارتكبها رجال أتوا من نسل شرير " غرزوا أنيابهم في أجساد السوريين, ونثروا الموت والدمار في كل مكان. أكلوا أكباد أبناء جلدتهم وذبحوهم ذبح النعاج". قبوله بهذه الفظاعات يعني فقدانه أي أمل بالجنس البشري. لم يكن يخفى عليه تأثير الشيطان وراء أفعالهم والتلاعب بهم من خلال من يسمون أنفسهم "إخوان مسلمون".
اسم "الشيطان", وفقا لعلم الاشتقاق, يشير إلى خطابهم المزدوج. لكن الأسد نجح في فضح شعار "الربيع العربي" الذي اخترعته وزارة الخارجية الأمريكية بهدف تسليم السلطة إلى الأخوان المسلمين بدءا من المغرب العربي, مرورا ببلاد الشام, وصولا إلى دول الخليج.
في كل الدول التي ابتليت بالربيع العربي تجسدت التبعية للأمبريالية برفع أعلام الاستعمار : علم النظام الملكي السنوسي الوهابي في ليبيا, وعلم الانتداب الفرنسي في سورية, مع ادعائهم, وياللمفارقة, ب"الثورة" إلى جانب طغاة الرياض والدوحة.
كانت الحرب بالنسبة له طريقا شخصيا طويل المدى. لقد عاش الحرب مسترشدا بأخلاقه : " خدمة المصلحة العامة", والتي كان يسميها الرومان القدماء ب "الجمهورية", في حين يعتبرها البريطانيون وهما يخفي وراءه طموحات سلطوية. وبحسب روبسبيير "العفيف" فإن هذه الخدمة العامة لاتعاني من أي خيانة, وبالتالي من أي فساد.
بشار الأسد, الثائر الأوحد, الرئيس التفيذي الوحيد على مستوى العالم, الذي صمد في وجه هجوم منسق من أكبر تحالف استعماري بقيادة واشنطن, والذي أعيد انتخابه من قبل شعبه باقبال منقطع النظير.
لقد دخل بشار الأسد التاريخ من أوسع أبوابه.