عندما طلب مني الرئيس بايدن أن ألتحق بالخدمة، حرص على أن أفهم أن مهمتي هي أن أوفي لكم بواجباتي- أي أن أجعل حياتكم أكثر أمنًا، وأن أوفر لكم ولأسركم الفرصة، وأن أعالج الأزمات العالمية التي تشكل مستقبلكم على نحو متزايد.

* * * *

وفي وقت لاحق من هذا اليوم، سيشارك الرئيس بايدن ما يسمى بـ”التوجيه الاستراتيجي المؤقت” بشأن أمننا القومي وسياستنا الخارجية. فان هذا (“التوجيه الاستراتيجي المؤقت”) يعطي توجيهًا أوليًا لوكالات الأمن القومي لدينا حتى تتمكن من العمل على الفور، في حين نواصل وضع استراتيجية أكثر عمقًا للأمن القومي على مدى الأشهر القليلة المقبلة. تحدد التوجيهات المؤقتة المشهد العالمي كما تراه حكومة بايدن، وتشرح أولويات سياستنا الخارجية- وكيف سنجدد مواطن قوة أميركا في مواجهة التحديات واغتنام فرص عصرنا الراهن.
لذا فإنني في أول خطاب رئيسي لي بصفتي وزيرًا (للخارجية)، سوف أطلعكم على كيف يتم تنفيذ الدبلوماسية الأميركية لاستراتيجية الرئيس.

* * * *

لقد حددنا أولويات السياسة الخارجية لحكومة بايدن من خلال طرح بعض الأسئلة البسيطة مثل: ماذا ستعني سياستنا الخارجية للعمال الأميركيين ولأسرهم؟ ماذا ينبغي علينا أن نفعل في جميع أنحاء العالم لجعلنا أقوى هنا في الداخل؟ وماذا علينا أن نفعل في الداخل لجعلنا أقوى في العالم؟
والإجابات على هذه الأسئلة ليست هي نفسها كما كانت في 2017 أو 2009. هي نعم، العديد منا الذين يخدمون في حكومة بايدن خدموا بفخر أيضًا الرئيس أوباما، بمن في ذلك الرئيس بايدن. وقد قمنا بقدر كبير من العمل الجيد لاستعادة قيادة أميركا في العالم وتحقيق اختراقات دبلوماسية تم تحقيقها بشق الأنفس، مثل الاتفاق الذي منع إيران من إنتاج سلاح نووي وجمع العالم سوية لمعالجة تغير المناخ. إن سياستنا الخارجية تناسب اللحظة، كما ينبغي لأي سياسة خارجية جيدة. ولكن هذا وقت مختلف، لذا فإن استراتيجيتنا ونهجنا مختلفان. نحن ببساطة لا نكمل من حيث توقفنا، كما لو أن السنوات الأربع الماضية لم تحدث. بل ننظر إلى العالم بعيون جديدة.

* * * *

…فالقيادة والمشاركة الأميركية هامتان. نحن نسمع هذا الآن من أصدقائنا. وأصدقاؤنا سعداء بعودتنا. وسواء شئنا أم أبينا، فإن العالم لا ينظم نفسه. وعندما تتراجع الولايات المتحدة، كثيرًا ما يحدث أحد أمرين: إما أن تحاول دولة أخرى أن تأخذ مكاننا، ولكن ليس على نحو يعزز مصالحنا وقيمنا. أو، ربما بنفس القدر من السوء، لا يجني ثمارها أحد- ومن ثم نجني الفوضى وما تخلقه من مخاطر. في كلتا الحالتين، هذا لا يعود بالخير على أميركا.
وثمة مبدأ آخر ثابت وهو أننا بحاجة إلى تعاون البلدان، أكثر من أي وقت مضى. ولا يمكن لأي دولة تعمل بمفردها أن تواجه تحديًا عالميًا واحدًا يؤثر على حياتكم- ولا حتى دولة قوية مثل الولايات المتحدة. وليس هناك جدار عال بما فيه الكفاية أو قوي بما فيه الكفاية لوقف التغيرات التي تحول عالمنا.

* * * *

وقد تعهد الرئيس بايدن بالقيادة بدبلوماسية، لأنها أفضل طريقة للتعامل مع تحديات اليوم. وفي الوقت نفسه، سنحرص على مواصلة امتلاك أقوى جيش في العالم. وإن قدرتنا أن نكون دبلوماسيين فعالين تتوقف إلى حد كبير على قوة جيشنا.
وفي كل ما نقوم به، فإننا لن نتطلع إلى إحراز تقدم بشأن المشاكل القصيرة الأجل فحسب، بل أيضًا إلى معالجة أسبابها الجذرية وإرساء الأساس لقوتنا الطويلة الأجل. وكما يقول الرئيس، ليس فقط لمجرد إعادة البناء، بل لإعادة البناء بشكل أفضل.

* * * *

أولاً، سنحتوي فيروس كورونا ونعزز الأمن الصحي العالمي.

لقد تحكمت الجائحة في حياتنا لأكثر من عام. وللتغلب عليها، فلابد أن تتضافر الحكومات، والعلماء، والشركات، والمجتمعات حول العالم وتعمل سوية. لن يكون أحد منا آمنًا تمامًا حتى يتم تحصين غالبية سكان العالم لأنه طالما ظل الفيروس يستنسخ يمكن أن يتحول إلى سلالات جديدة من شأنها أن تجد طريقها إلى أميركا. لذا علينا أن نعمل بشكل وثيق مع الشركاء للحفاظ على تقدم جهود التطعيم العالمية للمضي قدما.
وفي الوقت نفسه، يتعين علينا أن نتأكد من أننا نتعلم الدروس الصحيحة ونوظف الاستثمارات الصحيحة في الأمن الصحي العالمي– بما في ذلك أدوات التنبؤ بالأوبئة ومنعها ووقفها، والالتزام العالمي الراسخ بتبادل المعلومات الدقيقة وفي الوقت المناسب– حتى لا تتكرر أزمة كهذه أبدا.

ثانيًا، سنغيّر اتجاه الأزمة الاقتصادية ونبني اقتصادًا عالميًا أكثر استقرارًا وشمولية.

* * * *

نحن بحاجة إلى تمرير السياسات الصحيحة داخل بلدنا، مثل حزمة الإغاثة التي يقوم الرئيس الآن بدفعها بقوة للإمام، بينما نعمل على إدارة الاقتصاد العالمي بحيث يفيد الشعب الأميركي حقا. وأنا بذلك لا أعني فقط تحقيق ناتج محلي إجمالي أكبر أو سوق أسهم متصاعد؛ فهذه الإجراءات، بالنسبة للعديد من الأسر الأميركية، لا تعني الكثير. إنني أعني وظائف جيدة، ودخول جيدة، وتكاليف معيشية أقل للعمال الأميركيين وأسرهم.
نحن نبني على الدروس الصعبة المستفادة. لقد جادل البعض منا في وقت سابق في اتفاقيات التجارة الحرة لأننا اعتقدنا أن الأميركيين سيشاركون على نطاق واسع في جني المكاسب الاقتصادية وأن هذه الاتفاقات ستشكل الاقتصاد العالمي بالطرق التي كنا نريدها. لقد كانت لدينا أسباب وجيهة للتفكير في تلك الأمور. لكننا لم نفعل ما يكفي لمعرفة من الذي سيتأثر سلبًا وما هو المطلوب لتخفيف آلامهم، أو لفرض الاتفاقيات التي كانت موجودة بالفعل أو مساعدة المزيد من العمال والشركات الصغيرة على الاستفادة منها بشكل كامل.

نهجنا الآن سيكون مختلفا. سنناضل من أجل كل وظيفة أميركية ومن أجل حقوق جميع العمال الأميركيين وحمايتهم ومصالحهم. وسنستخدم كل أداة لمنع البلدان من سرقة ملكيتنا الفكرية أو التلاعب بعملاتها للحصول على ميزة غير عادلة. وسنحارب الفساد الذي يجعل الأمور في غير صالحنا. وستحتاج سياساتنا التجارية إلى الإجابة بشكل واضح للغاية عن الكيفية التي ستقوم من خلالها بتنمية الطبقة الوسطى الأميركية، وخلق وظائف جديدة وأفضل، وتحقيق الاستفادة لجميع الأميركيين – وليس فقط لأولئك الذين يعمل الاقتصاد بالفعل من أجلهم.

ثالثا، سنجدد الديمقراطية لأنها تتعرض للتهديد.

* * * *

كلما استطعنا نحن والديمقراطيات الأخرى أن نُظهر للعالم أننا قادرون على تحقيق المطلوب – ليس فقط لشعوبنا، ولكن أيضًا لبعضنا البعض – كان بإمكاننا أن ندحض الكذبة التي تحب الدول الاستبدادية قولها – وهي أن طريقتهم هي أفضل طريقة لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس وتحقيق آمالهم. وعلينا إثبات خطئهم.

* * * *

سوف نستخدم قوة مثالنا. سنشجع الآخرين على إجراء إصلاحات رئيسية، وإلغاء القوانين السيئة، ومحاربة الفساد، ووقف الممارسات غير العادلة. سنشجّع السلوك الديمقراطي.

لكننا لن نروّج للديمقراطية من خلال التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة. لقد جربنا هذه الأساليب في الماضي. ومهما كانت النوايا حسنة، إلا أنها لم تنجح. لقد أطلقوا سمعة سيئة على “الترويج للديمقراطية”، وفقدوا ثقة الشعب الأميركي. سنفعل الأمور بشكل مختلف.

رابعًا، سنعمل على إنشاء نظام هجرة إنساني وفعال.

الحدود القوية أمر أساسي لأمننا القومي، والقوانين هي حجر الأساس لديمقراطيتنا.

لكننا نحتاج أيضًا إلى حل دبلوماسي – فقط يكون لائقا – لحقيقة أن أناسًا من بلدان أخرى، عامًا بعد عام، يخاطرون بكل شيء لمحاولة تحقيق النجاح هنا. نحن بحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الكثير من الناس إلى الفرار من ديارهم وأوطانهم. ولذا سنعمل عن كثب مع البلدان الأخرى- وخاصة جيراننا في أميركا الوسطى– لمساعدتهم على توفير أمن مادي وفرص اقتصادية أفضل، حتى لا يشعر الناس أن الهجرة هي الطريقة الوحيدة لتوفير حياة أفضل لأطفالهم.

* * * *

إن من أهم عناصر هويتنا الوطنية أننا بلد مهاجرين. لقد أصبحنا أقوى من خلال الحقيقة المتمثلة في أن الأشخاص المجتهدين يأتون إلى هنا للذهاب إلى المدارس والجامعات وبدء المشاريع والأعمال التجارية وإثراء مجتمعاتنا. لقد ابتعدنا عن هذا الجزء من أنفسنا في السنوات القليلة الماضية. وعلينا العودة إليه.

خامسًا، سننشط علاقاتنا مع حلفائنا وشركائنا.

إن تحالفاتنا ينطبق عليها ما تسميه القوات المسلحة “العوامل المُضاعِفة للقوة.” إنها الأصول الفريدة لدينا. فنحن ننجز الكثير معهم، أكثر مما نستطيع بدونهم. لذلك نحن نقوم بدفعة كبيرة الآن لإعادة الاتصال بأصدقائنا وحلفائنا – ولإعادة صياغة الشراكات التي تم بناؤها منذ سنوات، لكي تناسب تحديات اليوم والغد.

* * * *

وسنكون واضحين في تحديد أن الشراكة الحقيقية تعني تحمّل الأعباء معًا – كل واحد يقوم بدوره، وليس نحن فقط.

سادسًا، سنتعقّب أزمة المناخ ونقود ثورة للطاقة الخضراء

* * * *

إن أزمة المناخ تهددنا جميعًا وتكبدنا المزيد شهريًا، ولا يمكننا إصلاحها بمفردنا. إن الولايات المتحدة تنتج 15% من تلوث الكربون في العالم– وهذا كثير، ونحن بحاجة ملحّة لأن نخفض هذا الرقم. ولكن حتى لو أننا خفضناه إلى الصفر، فإن ذلك لن يحل الأزمة، لأن بقية العالم ينتج نسبة الـ85% الأخرى. هذا هو تعريف المشكلة التي نحتاج للعمل على حلها معًا- كمجتمع من الأمم.

* * * *

وفيما نفعل ذلك، ينبغي علينا أن نضع الولايات المتحدة في وضع يمكنها من الازدهار والقيادة في السوق العالمية المتنامية للطاقة المتجددة. فالرياح والطاقة الشمسية هي أرخص مصادر توليد الطاقة الكهربائية في العالم اليوم. إنها لا تعتبر حاليًا من صناعات المستقبل– فالمستقبل أصبح موجودًا الآن. وهناك دول أخرى سبقتنا. لا بد أن نغير ذلك ونوجد ملايين فرص العمل ذات الدخل الجيد للأميركيين في مجال الطاقة المتجددة.

سابعًا، سنؤمن مركزنا الريادي في مجال التكنولوجيا.

هناك ثورة تكنولوجية عالمية جارية الآن. والقوى القيادية في العالم تتسابق على تطوير ونشر التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، التي يمكن أن تعيد صياغة كل شيء يتعلق بحياتنا، من المصادر التي نحصل منها على الطاقة، إلى الطريقة التي نؤدي بها عملنا، إلى كيفية خوض الحروب.

* * * *

غير أننا نعلم أن التكنولوجيات الجديدة ليست مفيدة بشكل تلقائي– وأن الذين يستخدمونها ليسوا دائمًا من ذوي النوايا الحسنة. لا بد أن نتأكد من أن التقنيات الجديدة تحمي خصوصياتنا، وأنها تجعل العالم أكثر أمنًا وسلامة، وأنها تجعل النظم الديمقراطية أكثر متانة وأكثر قدرة على التكيف.

* * * *

وفي الوقت نفسه، يجب علينا أن نقوي تقنيات دفاعنا. وإننا نحتاج فقط للنظر إلى ما حدث لشركة (SolarWinds)- أكبر اختراق لشبكات الحكومة الأميركية في العام الماضي- لنعرف مدى تصميم خصومنا على استخدام التكنولوجيا من أجل تقويضنا.

* * * *

وثامنًا، سنتمكن من إدارة أكبر اختبار جيوسياسي في القرن الـ21: علاقتنا مع الصين.

* * * *

إن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها القوة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية التي يمكن أن تمثل مشكلة أو تحديًا جادًا للنظام الدولي المستقر والمفتوح– كل القواعد، والقيم، والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريدها، لأنها في النهاية تخدم مصالح وقيم الشعب الأميركي.
وعلاقتنا بالصين ستكون تنافسية عندما ينبغي أن تكون كذلك، وتكون تعاونية عندما ينبغي أن تكون كذلك، وتكون عدائية حينما يكون لا بد من أن تكون كذلك. وسيكون العامل المشترك في التعامل مع الصين هو التعامل من موقع قوة.
وهذا يتطلب العمل والتعاون مع حلفائنا وشركائنا، وليس بالاستهانة بهم أو التقليل من شأنهم، لأن وطأة تحالفنا المشترك ستكون أصعب من أن تتجاهلها الصين. إنه يتطلب الأخذ بالأساليب الدبلوماسية والتعامل مع المنظمات الدولية، لأننا عندما انسحبنا إلى الوراء، فإن الصين ملأت ذلك الفراغ. إنه يتطلب التصدي للدفاع عن قيمنا عندما تُنتهك حقوق الإنسان في شيانجينغ أو عندما تُسحق الديمقراطية في هونغ كونغ، لأننا لو لم نفعل ذلك، فإن الصين ستتخذ إجراءات حتى بقدر أكبر من الإفلات من العقاب. وهذا يعني ضرورة الاستثمار في العاملين الأميركيين والشركات الأميركية والتكنولوجيا الأميركية، والإصرار على تكافؤ الفرص، لأنه حينما يتحقق ذلك سيكون بمقدورنا منافسة أي طرف.

* * * *

هذه الأولويات كلها قضايا محلية وقضايا خارجية في آن واحد. ويجب علينا أن نتعامل معها بتلك الطريقة، وإلا سنكون مقصّرين.

* * * *

إن التفرقة بين السياسة “المحلية” و”الخارجية” قد انتفت حاليًا أكثر من أي وقت مضى في تاريخي المهني- وربما طوال حياتي. إن التجدد والإصلاح على المستوى المحلي وقوتنا في العالم مرتبطان ومتشابكان تمامًا. وإن أسلوب عملنا سيعكس تلك الحقيقة.