هل يمكن القول ان الرئيس السنيورة نجح في اعادة العلاقات اللبنانية – السورية الى ما كانت عليه قبل انسحاب القوات السورية من لبنان، وان خالية من بعض الشوائب وما حصل على الحدود بين البلدين وتسبب بخسائر مادية كبيرة، لن يتكرر اقله في المدى المنظور؟

يقول وزير استمع في مجلس الوزراء الى الرئيس السنيورة وهو يشرح نتائج زيارته لدمشق مؤكدا انها "ايجابية جداً وارست اسساً جديدة لعلاقات سليمة وجيدة بين البلدين وفق ذهنية جديدة مع التزام كل المواثيق والعهود المبرمة بين البلدين والحرص على الا يكون لبنان منطلقاً لأي عمل عدائي ضد سوريا ولن يوقع اي اتفاق منفرداً مع اسرائيل" انه يعتقد ان سوريا تضع نيات حكومة الرئيس السنيورة قيد الامتحان لتحكم لها او عليها وتتصرف في ضوء ذلك، وان ازمة الحدود التي افتعلتها سوريا ما هي سوى تعبير عن استيائها من سوء تصرف لبنان حيالها وتحديداً من الامور الآتية:

اولاً: الحملات الاعلامية والسياسية التي تستهدف سوريا وشخصيات فيها وهي حملات سبقت مسألة انسحاب قواتها من لبنان واستمرت بعد هذا الانسحاب، فيما كانت سوريا تتوقع ان تتوقف هذه الحملات لتبدأ الاتصالات التي تؤكد ان العلاقات بين البلدين لن تتأثر بالانسحاب العسكري من لبنان، بل سوف تزيدها رسوخاً وصدقية.

وقد رد الجانب اللبناني على ذلك بالقول ان الحرية الاعلامية في لبنان تبلغ حد شكوى مسؤولين لبنانيين وشخصيات سياسية لبنانية منها في حين ان الاعلام السوري هو اعلام رسمي، فعندما يحمل على مسؤولين لبنانيين او على شخصيات سياسية لبنانية، فهذا يعني ان السلطة السورية موافقة ضمناً على ذلك في حين يختلف موقف السلطة اللبنانية من اي حملة اعلامية على سوريا او على اي بلد عربي شقيق او دولة صديقة، اذ ان مثل هذه الحملة لا تعبر عن موقف لبنان الرسمي بل تعبر عن رأي الوسيلة الاعلامية فقط.

ومهما تكن الاسباب، فان سوريا تطلب من لبنان الرسمي وقف الحملات الاعلامية والسياسية عليها لأنها تؤثر على حسن العلاقات بين البلدين وعلى روح الود والاخاء بين الشعبين اذ قد تتحول مع استمرار هذه الحملات الى خصومة وعداء هما في غير مصلحة احد.

ثانياً: ان لا يكون لبنان ممراً او مقراً لتحركات سياسية او امنية تستهدف النظام او الامن في سوريا، وقد اشارت سوريا في هذا الصدد الى نشاطات تقوم بها حركات وهيئات وتنظيمات سياسية او دينية من خلال عقد لقاءات علنية او سرية في لبنان، وبتشجيع دول معادية لسوريا تحقيقاً لاهدافها ومآربها التي لا تزال عصية عليها بسبب موقف الحكم السوري الثابت منها.

وقد رد الجانب اللبناني على ذلك بطلب العودة الى ما نص عليه اتفاق الدفاع والامن بين البلدين بتاريخ 17/8/1991 وبغية تأكيد تعهد كل من البلدين في عدم جعل لبنان مصدر تهديد لامن سوريا او سوريا لامن لبنان ينبغي "على الاجهزة العسكرية والامنية في كل من البلدين اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع اي نشاط او عمل او تنظيم في كل المجالات العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية من شأنه الحاق الاذى والاساءة للبلد الآخر وان يلتزم كل من الجانبين بعدم تقديم ملجأ او تسهيل مرور او توفير حماية للاشخاص والمنظمات الذين يعملون ضد امن البلد الآخر. وفي حال لجوئهم اليه، يلتزم الجانب الآخر القبض عليهم وتسليمهم الى الجانب الثاني بناء على طلبه".

ولكي تتمكن الاجهزة العسكرية والامنية في كل من البلدين القيام بمهماتها والسهر على تنفيذ ذلك فانها تنسق اجتماعاتها الدورية في كل من البلدين لاجراء تبادل للمعلومات يشمل كل قضايا الأمن القومي والداخلي بما في ذلك قضايا المخدرات والارهاب والتجسس وينسق العمل على متابعتها ومعالجتها في كلا البلدين او في الخارج ايضاً مع المؤسسات الدولية عند الاقتضاء وتتخذ كل التدابير القانونية والاجرائية لتسهيل العمل المشترك لأجهزة البلدين في نطاق التنسيق المتفق عليه لتسهيل اعمال الملاحقة والمعالجة تطبيقاً لما نصت عليه الاتفاقية، وتقوم وزارتا الدفاع في البلدين والاجهزة المعنية في كل منهما باجتماعات دورية كل ثلاثة اشهر، وكلما دعت الحاجة، لتبادل المعلومات حول كل ما يهم البلدين، وكل النشاطات العادية. ويمكن في هذا السياق انتشار اجهزة مشتركة من وزارتي الدفاع في البلدين لمتابعة ومراقبة هذا التنسيق بينهما. فلو ان كلا من البلدين لجأ الى ما نصت عليه اتفاقية الدفاع والامن، لما كانت سوريا شكت وتشكو من وجود نشاط معاد لها في لبنان، ولا كان لبنان يشكو من تهريب اسلحة الى المخيمات وغير المخيمات من سوريا بل كان ينبغي دعوة الاجهزة الامنية في كل من البلدين الى الاجتماع للبحث في شكاوى كل منهما وتبادل المعلومات في شأنها والخروج بنتائج مطمئنة ومرضية لهما.

ثالثاً: محاولة ابدال الوصاية السورية بوصاية غربية في تسيير شؤون سياسية وغير سياسية في لبنان، وذهاب البعض الى حد طلب تدخل مجلس الجامعة العربية والامم المتحدة في ازمة الحدود مع سوريا وذهاب بعض آخر الى البحث عن بدائل من نقل البضائع اللبنانية عبر الاراضي السورية، فضلاً عن "وشوشات" مسؤولين وسياسيين لبنانيين لجهات اميركية وفرنسية تستعديها على سوريا وتحضها على ممارسة مزيد من الضغوط عليها كي تحسن سوريا تعاملها مع لبنان ولا تقوم بتصرفات عقابية او انتقامية نتيجة انسحاب قواتها من لبنان واستخدام تداعيات اغتيال الرئيس الحريري وسيلة من وسائل الضغط على سوريا وذلك بتوجيه اتهامات الى بعض المسؤولين السوريين الذين كانوا في موقع المسؤولية في لبنان، واستباق نتائج التحقيق الدولي في هذا الشأن.

وتبدي سوريا مخاوف من ان يؤدي التدخل الاجنبي وتحديداً الاميركي الى فصل المسار اللبناني عن مسارها، وذلك بجعل اسرائيل تنسحب من بقية الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة ومنها مزارع شبعا توصلاً الى توقيع اتفاق سلام بين لبنان واسرائيل فتبقى سوريا شبه معزولة في مواجهة اسرائيل.

لكن الجانب اللبناني اكد ان ثمة اجماعاً على ان لبنان لن يوقع اتفاق سلام منفرداً مع اسرائيل وان انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة سواء بالتفاوض او بالمقاومة، لن يؤدي الى توقيع مثل هذا الاتفاق الذي يبقى توقيعه مرتبطاً بالتوصل الى اتفاق بين اسرائيل وسوريا وفي اطار عملية السلام الشامل في المنطقة.

مصادر
النهار (لبنان)