يقول ديبلوماسي لبناني سابق ان ما يهم الولايات المتحدة الاميركية منذ عهود سابقة الى اليوم هو توفير الامن على طول حدودها اما باتفاقات سلام تعقد مع الدول المحيطة بها واما بنشر الجيوش العربية على طول حدودها لكي تكون مسؤولة وحدها عن حفظ هذا الامن.

لذلك كانت معاهدة السلام التي عقدت في كمب ديفيد بين مصر واسرائيل وقد خرجت مصر بموجبها من دائرة الحرب مع الدولة العبرية ثم كان اتفاق وادي عربة بين الاردن واسرائيل، لكن اتفاق اوسلو بينها وبين السلطة الفلسطينية لم يحقق السلام فظلت الساحتان الفلسطينية والاسرائيلية مفتوحتين لاعمال العنف المتبادلة وللاجتياحات الاسرائيلية، رداً على الانتفاضات الفلسطينية، ونجحت الولايات المتحدة الاميركية في توفير الامن على الحدود السورية – الاسرائيلية من خلال اتفاق فك الاشتباك بين جيشي الدولتين عند هضبة الجولان المحتلة وهو ما جعل الهدوء يسود فيها ولم يقدم اي من الطرفين السوري والاسرائيلي على خرق هذا الاتفاق منذ توقيعه الى اليوم. لكن الولايات المتحدة لم تنجح في توفير الامن على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية رغم تكرار المحاولات لهذه الغاية. فلا اللقاء في نهاريا بين الرئيس المنتخب بشير الجميل ورئيس وزراء اسرائيل مناحيم بيغن انتهى الى اتفاق على توقيع اتفاق سلام، ولا اتفاق 17 ايار الذي تم التوصل اليه بين حكومة اسرائيل وحكومة لبنان في عهد الرئيس امين الجميل امكن ابرامه وذلك بفعل اشتداد المعارضة له وضغط الشارع فضلاً عن ربط اسرائيل سحب قواتها من الجنوب بانسحاب القوات السورية من لبنان، خلافاً لما نص عليه الاتفاق.

وهكذا اصبحت الحدود بين اسرائيل والدول المجاورة لها هادئة والامن فيها مستقر بموجب الاتفاقات المعقودة بينها وبين هذه الدول باستثناء لبنان والسلطة الفلسطينية. لذلك ينصب اهتمام الولايات المتحدة الاميركية على توفير الامن على حدودهما مع اسرائيل باقتراح "حلول عدة لم ينجح اي منها حتى الآن في تحقيق ذلك، فلا تفاهم نيسان وفر الهدوء الا لفترة، ولا نشر القوات الدولية على طول الحدود اللبنانية مع اسرائيل منع الاجتياحات الاسرائيلية للجنوب ولا سيما الاجتياح الذي بلغ العاصمة بيروت وانتهى باخراج المقاتلين الفلسطينيين وقادتهم من لبنان الى تونس، ولا وجود الجيش اللبناني مع قوى الامن الداخلي في الجنوب حال دون استمرار اعمال العنف المتبادلة بين المقاومة الاسلامية اللبنانية والجيش الاسرائيلي.

وذكّر الديبلوماسي نفسه برسالة التطمينات الاميركية لاسرائيل لجعلها تشترك في مؤتمر السلام في الشرق الاوسط الذي عقد في مدريد عام 1991وجاء فيها: "ان اسرائيل عاشت في منطقة رفض فيها جيرانها الاعتراف بوجودها وحاولوا تدميرها لذلك نؤكد ان التزاماتنا لامن اسرائيل باقية على ما هي عليه وكل من يحاول ان يدس بيننا ساعياً للمس بهذه الالتزامات لا ينجح في فهم الروابط العميقة بين دولتينا وطبيعة التزاماتنا لأمن اسرائيل، بما في ذلك التزام تثبيت تفوقها النوعي، نريد ان نعود ونؤكد موقفنا بان اسرائيل تستحق حدوداً آمنة وقابلة للدفاع والتي يجب ان يتفق عليها في مفاوضات مباشرة بحيث تكون مقبولة من جيرانها توصلاً الى سلام عادل ودائم يتحقق عبر محادثات تستند الى قراري مجلس الامن 242 و338 بما في ذلك عقد اتفاقات سلام مع علاقات ديبلوماسية كاملة بين اسرائيل وجاراتها العربيات".

وبما ان الولايات المتحدة الاميركية تؤكد تكراراً لاسرائيل التزامها توفير الامن على الحدود مع جيرانها، وقد نجحت في تحقيق ذلك ما عدا الحدود مع لبنان والحدود مع السلطة الفلسطينية. فان المساعي لا تزال جارية الآن وبشتى الوسائل، لتصبح كل الحدود بين اسرائيل وجاراتها العربية هادئة وآمنة.

لذلك تحاول السلطة الفلسطينية بعدما تم التوصل الى اتفاق على انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة ان تجعل سلاح اي منظمة فلسطينية خاضعاً لسلطتها وذلك بهدف تأمين الهدوء والاستقرار بينها وبين اسرائيل وستكون محاولتها هذه موضوع اختبار خصوصاً بعدما اعلنت حركة حماس انها لن تتخلى عن سلاحها الى ان يتم تحرير كامل الاراضي الفلسطينية، وهذا ما يجعل البعض يخشى حصول صدام بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وغيرها من التنظيمات المسلحة اذا خالفت قرار السلطة، وان حصول مثل هذا الصدام سوف يضعف الدفاع عن القضية الفلسطينية كما تضعف قوة المطالبة باقامة دولة فلسطينية مستقلة.

اما في لبنان فوضع السلطة فيه لا يختلف كثيراً عن وضع السلطة الفلسطينية بالنسبة الى توفير الامن والهدوء على طول الحدود مع اسرائيل. وان المطالبة بنشر الجيش اللبناني على طول "الخط الازرق" يدخل في اطار تحقيق هذا الهدف اي توفير الامن لاسرائيل.

ثمة من يقول ان ليس نشر الجيش او عدم نشره هو الذي يوفر الامن لاسرائيل، انما التوصل الى اتفاق سلام بعد الموافقة على انسحاب الجيش الاسرائيلي من الاراضي التي يحتلها بدليل ان لا وجود القوات الدولية في الجنوب، ولا وجود عدد من قوات الجيش اللبناني ومن قوى الامن الداخلي، حالا دون استمرار الامن مضطرباً على الحدود مع اسرائيل وتبادل اعمال العنف ما دامت اسرائيل تخرق الخط الازرق وتنتهك الاجواء اللبنانية ومياه لبنان الاقليمية.والسؤال المطروح هو: هل يضطر لبنان الى نشر جيشه على طول الخط الازرق تحت الضغط السياسي والاقتصادي والتلويح بسحب القوات الدولية؟ وهل بنشره يتحقق الامن على الحدود مع اسرائيل ويتوقف "حزب الله" عن القيام بعمليات ضد اسرائيل ساعة يشاء بحجة ان من حقه القيام بهذه العمليات ما دام ثمة اراض لبنانية لا تزال محتلة وما دام لبنان معرضاً لخطر اعتداء اسرائيلي؟ وهل تحمل الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي لبنان تبعة استمرار عمليات "حزب الله" ضد اسرائيل بعد نشر الجيش على طول الحدود الجنوبية، ويصبح الرد الاسرائيلي على ذلك مبرراً حتى ولو كان رداً واسعاً وقاسياً؟

الواقع، ان قدرة السلطة الفلسطينية على توفير الامن المتبادل مع اسرائيل هي الآن موضوع اختبار، كما ان استعداد السلطة اللبنانية على استجابة طلب نشر قواتها في الجنوب هو ايضاً موضوع اختبار توصلا الى توفير الامن والهدوء مع اسرائيل في انتظار التوصل الى تحقيق السلام الشامل مع العلم ان توفير هذا الامن يتوقف على مدى تجاوب حركة "حماس" و"الجهاد الاسلامي" مع السلطة الفلسطينية وعلى مدى تجاوب "حزب الله" مع السلطة اللبنانية بدون ان يؤدي ذلك الى صدامات قد يكون لها عواقبها الوخيمة.

مصادر
النهار (لبنان)