أظهرت مناقشات مجلس الامن بالنسبة الى متابعين ديبلوماسيين عشية توجه الرئيس السوري بشار الاسد الى الامم المتحدة للمشاركة في القمة العالمية التي تنعقد في مقر المنظمة الدولية في نيويورك عدم تبدل المعطيات الدولية لدى دول القرار بالنسبة الى سوريا. فالموقف الذي حرص على التعبير عنه كل من المندوب الاميركي في مجلس الامن والمندوب الفرنسي اظهر أمرين:

-الاول ان لا تغيير في موقف اي من الدولتين من دمشق بعد سنة على صدور القرار 1559 لا بل ان ثمة تصميما لدى كل منهما على عدم التعاون معها واظهار اي ايجابية حيالها.

-الامر الاخر ان التوافق الثنائي الاميركي – الفرنسي الذي انتج القرار 1559 لا يزال مستمراً بقوة رغم بعض الاشكالات التي اشارت في وقت سابق الى اختلاف في الرؤية بين العاصمتين الاميركية والفرنسية في بعض المسائل. وهو الامر الذي قد يكون صحيحاً بالنسبة الى بعض الامور والمسائل المتعلقة بلبنان، لكنه ليس كذلك بالنسبة الى سوريا، وخصوصاً بعدما رأى كثيرون في استقبال الرئيس الفرنسي جاك شيراك لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون قبل مدة قصيرة سعيا من فرنسا الى تطابق اكبر في هذا التوجه مع الولايات المتحدة مبنيا على تأثر الرئيس الفرنسي باللوبيات اليهودية العاملة والمؤثرة في واشنطن، وغيابا للتمايز الفرنسي القديم عن الولايات المتحدة في شأن قضايا منطقة الشرق الاوسط.

والأمران معاً يظهران النية في استمرار الضغوط على سوريا وكأنما لم يطرأ اي جديد يمكن ان يخفف منها والمتابعون للاداء السوري سجلوا جملة ملاحظات في الفترة الاخيرة. فدمشق سارعت اثر صدور التقرير الاجرائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس الذي قال ان سوريا لم تتعاون في التحقيق وان عدم تعاونها ادى الى إبطاء عمل اللجنة، الى الاصرار على كلمة كررها المسؤولون السوريون حول "مواصلة سوريا التعاون"، كما لو انها تلمح الى تسييس يحكم عمل ميليس ويقضي بالضغط على دمشق سياسياً .

ولاحظ المتابعون سلسلة اجراءات سعت عبرها دمشق الى استباق زيارة الرئيس الاسد لنيويورك على ثلاثة محاور اخرى، غير محور لجنة التحقيق الدولية، تمهد للرد على حملات تعتبرها سوريا مقصودة ضدها. والمحاور الثلاثة تتعلق بالمطالب التي سبق ان رفعتها الولايات المتحدة الى سوريا وظلت عالقة في نظر الاميركيين.

-المحور الاول يرتبط بالاعلان عن تسليم دمشق الولايات المتحدة عددا كبيرا من المتسللين الى العراق وهم من جنسيات عربية اخرى غير سورية من دول تعتبر صديقة للولايات المتحدة. وتحديد عدد هؤلاء وهو يقارب 2000 يرمي الى اظهار جدية سورية ليست مقتصرة على فترة زمنية محددة جدا.

-المحور الاخر يتعلق بوضع حد لازمة الحدود والتناقضات مع لبنان والذي فتح لسوريا ملفا جديداً من المآخذ الاميركية عليها معطوفاً على اتهامها باستمرار مسؤوليتها عن حوادث وتدخلات في الشؤون اللبنانية. لذلك بدا مهما لدمشق انهاء هذه الازمة على الأقل مرحليا من اجل تحييد الاهتمام الخارجي الاميركي وخصوصا اذا كانت هناك نية للرئيس السوري في اطلالات اعلامية من الامم المتحدة يشرح فيها موقف بلاده من المآخذ والاتهامات التي توجه الى بلاده.

-المحور الثالث يتعلق بالاجتماع الذي عقدته الفصائل الفلسطينية في دمشق برعايتها على ما قال المسؤولون عنها بغية تنسيق المواقف بين السلطة الفلسطينية وهذه الفصائل بالتزامن مع الانسحاب الاسرائيلي من غزة وتسلم السلطة مسؤولية ادارة الامور فيها. وهي رسالة تعني اظهار ايجابية سورية كبيرة في التعاطي مع موضوع الانسحاب الاسرائيلي من غزة وعدم التسامح في عرقلته.

لكن مصادر ديبلوماسية عليمة في بيروت تقول ان الضغط الاميركي – الفرنسي على سوريا يجعل المطلوب منها اكثر من ذلك بكثير وهو بات معروفا ومكررا. واعاد تأكيده الموقفين الاميركي والفرنسي في مجلس الامن اخيراً من خلال التصميم على استمرار الضغط عليها. وثمة من يرى في ابراز هذا التصميم استبعاد لاحتمالات يجري تداولها على نطاق واسع في الحديث عن انسحاب اميركي من العراق مع تردي الوضع فيه مما سمح مثلا ببعض التشدد الايراني والذي استفادت منه سوريا ايضا من اجل استعادة بعض التنفس في مواجهة الضغوط عليها، علما ان ايران تظهر براعة في التشدد والتجاوب في آن على ما يعتقد ديبلوماسيون كثر. هذه الرهانات تحرص اوساط ديبلوماسية عدة على عدم التعويل عليها كثيرا في المرحلة الراهنة باعتبار انه اذا كان كثيرون يعتقدون ان الولايات المتحدة ارتكبت خطأ جسيما في احتلالها العراق او في الاجراءات التي اتخذتها لاحقا، فانها سترتكب خطيئة كبرى بانسحابها منه. ودول كثيرة في المنطقة بات وجودها ومصالحها مرتبطاً بالوجود الاميركي في العراق نظرا الى التداعيات السلبية الكثيرة عليها وعلى انظمتها.