ثمة تخوف حقيقي لدى الفلسطينيين من أن تتحول خطة فك الارتباط من غزة الى "هدية مسمومة" حتى قبل انتهاء مدة الشهر الذي فرضته الحكومة الاسرائيلية موعداً لتسليم القطاع الى السلطة الفلسطينية بعد الاخلاء التدريجي للمواقع العسكرية الاسرائيلية منه.

أمران اساسيان يثيران المخاوف والشكوك الفلسطينية، قضية السيطرة على المعابر وعودة البناء في المستوطنات في الضفة الغربية وتسريع عمليات البناء في جدار الفصل.

حتى الآن ترفض اسرائيل بصورة قاطعة تسليم السلطة الفلسطينية السيطرة على المعابر التي تربط القطاع بكل من الضفة الغربية ومصر. والقضية الأكثر الحاحاً المطروحة اليوم هي معبر رفح حيث يحاول المصريون ايجاد صيغة تسوية للخلاف الفلسطيني -الاسرائيلي يقوم على جعل الخروج من غزة يخضع لرقابة فلسطينية-مصرية مع وجود طرف ثالث دولي،على ان يقام معبر جديد للقادمين الى غزة جنوب القطاع ويكون تحت اشراف الجيش الاسرائيلي.

حتى الآن ترفض اسرائيل ذلك رغم موافقتها على نشر 750جندياً مصرياً من حرس الحدود على الجهة المصرية من قطاع غزة لحفظ الأمن ومنع عمليات تهريب السلاح والتسلل عبر الحدود.

تبرر اسرائيل اصرارها على ابقاء السيطرة على المعابر تحت قبضتها بأسباب أمنية متذرعة بأنها لا تريد ان تتحول غزة بعد خروج الجيش الاسرائيلي منها الى مركز لنشاط المنظمات الفلسطينية المعادية لها في ظل عجز الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة على فرض الأمن واحكام قبضتها على القطاع. لكن السلطة الفلسطينية ترى في ذلك استمراراً للإحتلال واجهاضاً لأي سيادة فلسطينية كاملة على الارض ومحاولة لعزل القطاع عن سائر المناطق الفلسطينية وتحويله الى"سجن كبير" بحسب وصف أكثر من مسؤول وناشط فلسطيني.

الموضوع الآخر المثير للمخاوف بدء الحكومة الاسرائيلية تنفيذ خطة توسيع البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة وبصورة خاصة في مستوطنة معاليه أدوميم بهدف ربطها بمدينة القدس استعداداً لضمها الى اسرائيل ضمن جدار الفصل. ترافق ذلك مع اعلان الادارة الاميركية تنازلها عن مطالبة اسرائيل بتحديد لمسارات البناء الذي تعتزم تنفيذه في مستوطنات الضفة الغربية وتمسكها فقط بضرورة اخلاء اسرائيل للمواقع الاستيطانية غير القانونية.

ومعنى ذلك ان الأميركيين تنازلوا لشارون عن مطلبهم تجميد البناء في المستوطنات الا ما يدخل في باب النمو الطبيعي للزيادة السكانية والزام الحكومة الاسرائيلية بحدود واضحة ومحددة في هذا الشأن ترسم خطوط البناء المسموح به.

تراجع الاميركيون عن موقفهم مكافأة لشارون على تنفيذه لخطة فك الارتباط واخلائه المستوطنات اليهودية في غزة مما يمنحه حرية البناء من جديد داخل مستوطنات الضفة وخارجها وفرض حقائق جديدة على الارض تغير بصورة كبيرة عدداً من المعطيات الجغرافية الحالية، فيرسم البناء الجديد خريطة مختلفة تمنع قيام أي تواصل جغرافي بين المناطق الفلسطينية التي من شأنها ان تشكل الدولة الفلسطينية العتيدة.

لم يعد الصراع الدائر اليوم بين اسرائيل والفلسطينيين صراعاً على الأرض والحقوق وانما على صورة الدولة الفلسطينية المقبلة. هذا هو الهدف السياسي البعيد الذي رمى اليه شارون بخطوته الأحادية والجزئية في الخروج من غزة: القضاء بصورة تدريجية على حلم الدولة المستقلة ذات السيادة، واستغلال الوقت من أجل ترسيخ واقع جديد يقسم المناطق الفلسطينية الى كانتونات او معازل تفصل ما بينها حواجز عسكرية او جدار فصل او طرق التفافية.

الأهم من هذا كله تفتيت التجمع السكاني الفلسطيني عبر عزل العرب من سكان القدس الشرقية عن الضفة الغربية، وعزل التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية بسلسلة من الاسوار والحواجز والاسلاك الشائكة المكهربة والخنادق تقسمها الى أكثر من 10او 13 كانتوناً وعزل سكان غزة عن الضفة.

ليست وحدة الارض الفلسطينية هي المهددة فقط وانما وحدة الشعب الفلسطيني الذي تريد اسرائيل ان يكون تحقيق حلم الدولة على حساب وحدته وتواصله.

مصادر
النهار (لبنان)