أولويات ثلاث استدعت وجود ميليس في نيويورك: إطلاع الامانة العامة وبعض أعضاء مجلس الامن، على آخر ما توصل إليه مع فريق عمله في بيروت، التشاور في مهمته المقبلة في دمشق، والموعد النهائي المبدئي لكشف الحقيقة؟!.

التوقيت مهم. يريد بعض أعضاء مجلس الامن صياغة أسلوب تعاط مع كل من الوفدين اللبناني والسوري، مستندا الى المعلومة المدققة، خصوصا إذا ما قرر الرئيسان إميل لحود والدكتور بشار الأسد المشاركة في أعمال الدورتين الاستثنائية والعادية للجمعية العامة للمنظمة الدوليّة.

لم تتوافر أي معلومة تنصح بعدم المشاركة. وكل كلام كان قد تردد عن وجود نصائح أميركيّة، او غير أميركيّة بهذا المعنى، غير دقيق، حتى ما ورد على بعض المواقع الالكترونيّة، لم تؤكد الاتصالات الدبلوماسيّة صحته، ولا هوية المصادر المزودة. إلاّ ان الكلام عن محاذير تحيط بالزيارة جدّي للغاية. أولها ان الوضع الداخلي لا يسمح، هناك لجنة تحقيق دولية تشرف على إنجاز عملها للكشف عن المتورطين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. هناك قادة أمنيون سابقون قد وجهت اليهم اتهامات وجاهيّة. هناك الاعتبار المعنوي الذي تفتقر إليه الزيارة. هناك ما يخبئه الكبار في مجلس الامن من مفاجآت قد تجعل الزيارة أكثر عزلة. وهناك في صفوف الكبار من لا يريد ان يكون التعاطي مع الرئاسة الاولى في لبنان خيارا محدودا يتأرجح ما بين المقاطعة، والحذر؟!.

يعود للرئيس إميل لحود ان يستخلص العبر، ويقرر المغادرة والمشاركة، او تكليف وزير الخارجيّة والمغتربين فوزي صلوخ رئاسة الوفد اللبناني الى الدورتين. إذا كان المطلوب تمثيل لبنان في هذه المناسبة الدوليّة، فالحقيقة تقال بأن هذا البلد <<ممثل على أفضل ما يرام>>، ولم يكن هناك في تاريخه الحديث، من اهتمام دولي مباشر بتفاصيل شؤونه الداخليّة، كما هي الحال الآن. ومعظم الدول الكبرى، ان لم تكن متورطة، فهي مهتمة ومتابعة، ومشاركة بشكل او بآخر في صناعة التطورات على ساحته، وصياغة المستجدات، وكل مسؤول له <<إضبارته>> الخاصة بتاريخه السياسي، ومواقفه، وسلوكياته!. وإذا كان المطلوب <<التمرّد>> على محاولات العزل المتنامية، بشكل تصاعدي، على مستوى الداخل، فإن الخروج والمغادرة لن يوفرا الفرصة للاستقواء بالخارج، فالعزلة هناك قد تكون أدهى، ولم يستدع ميليس ليوفر الاجواء الديموقراطية المريحة للزيارة، وإن كان قد وضع الرئيس فوق الشبهات، في الوقت الذي كان يوجه فيه أصابع الاتهام الى أركان الاجهزة الامنية السابقين؟!.
يفترض ان تكون الصورة في غاية الوضوح، أمام الرئيس لحود، وأن تكون صادقة، شفافة، منزّهة عن الغرضيّة والكيديّة، بحيث يجري الحسابات بهدوء، ويحدد مقادير الربح والخسارة، على المستويين الوطني أولا، والشخصي ثانيا. وما يملك من معلومات، قد يتصل به وحده، لكن ما قد يقدم عليه يصبح تلقائيّا ملك الوطن. وأيّ تداعيات قد تحصل نتيجة هذا التحرّك، لا بدّ من أن ترتد على لبنان أولا، قبل ان تنال من شخص الرئيس وموقعه؟.

التوقيت مهم، وحساس. تتزامن الرحلة الرئاسيّة الى نيويورك في الوقت الذي يستأنف فيه ديتليف ميليس مهمته في دمشق، وبين دمشق وبيروت ونيويورك تترابط حلقات التحقيق الدولي، وهناك من يتوقع ان تشتدّ، و<<تطنب>> سلاسله، وتتحول الى خناق!، وهناك قلة في صفوف دبلوماسيين متابعين من لا يزال يراهن على توظيف سياسي أميركي للتحقيق يبدأ من دمشق؟!... وفي هذه الحال تقضي الحكمة بالانتظار.. فالانتظار لا يزال سيّد المواقف كلّها؟...

مصادر
السفير (لبنان)