قبل يومين، نقلت صحيفة «الوطن» السعودية الخبر التالي: «أوضح مدير شرطة منطقة جازان، اللواء أحمد عزم الله القزاز، أن مدّعي النبوءة الذي القي عليه القبض الثلثاء الماضي، يدعى منصور ابراهيم، وهو من جنسية عربية، ويبلغ من العمر 60 عاماً».

والحال أن هناك رجلاً آخر من جنسية أميركية، يبلغ من العمر 59 عاماً، ويُدعى جورج دبليو بوش، يُستحسن إلقاء القبض عليه للسبب نفسه. فقد نشرت «الغارديان» البريطانية صورة الرئيس الأميركي وقد أحيط رأسه بهالة من ضوء، تماماً كهالات النور التي أحاطتها الأيقونات القديمة بصور القديسين. أما السبب فما تناقلته صحف دولية وعربية كثيرة من أن سيد البيت الأبيض تفوّه بالتالي: «إن ما يحرّكني هو تكليف من الله. كان الله يقول لي: «جورج، اذهب وإنهِ الطغيان في العراق»، وقد فعلت. والآن، مرة أخرى، اشعر بكلمات الله وهي تصل إليّ: «إذهب وأعط الفلسطينيين دولتهم، واحصل للإسرائيليين على أمنهم، وحقق السلام في الشرق الوسط»، وأقسم بالله أنني سأفعل ذلك».

هذا الكلام سمعه نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام الفلسطيني نبيل شعث من بوش، ابان قمة شرم الشيخ في 2003، فأعاد روايته لـ «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كيما يُبث ايام 10 و17 و24 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري في برنامج لها بعنوان «إسرائيل والعرب: السلام المراوغ».

وتحضّ السذاجة على أسئلة يستدعيها كلام الكليم الجديد: فلماذا، مثلاً، لم تسر الأمور في العراق على ما يرام، ولماذا لم يحظ الفلسطينيون بدولة لهم، ما دامت هذه توصيات إلهية عُهد الى بوش بإنفاذها؟ وهل، يا ترى، سمع بوش شيئاً في ما خصّ الاستعدادات لمواجهة إعصار كاترينا؟

غني عن القول ان جورج بوش مسيحي «مولود من جديد»، اتجه الى الايمان وهو في الأربعين بعد سنوات حفلت بـ «المسرّات» الأرضية. وهي سيرة تذكرّ بسِـيَر كثيرين من الأصوليين، المسلمين وغير المسلمين، الذين بلغتهم الهداية بعد عيش مديد في «المنكر». وهو كله مما يخص صاحبه شريطة أن لا يعكس نفسه على الشأن العام. لكن بوش، ككثيرين غيره من المتحوّلين، ارتبط تحوله الشخصي بأحداث سياسية بعيدة الأثر. ولأن موقعه كرئيس للجمهورية الأميركية بالغ الأهمية تعريفاً، فإن الأذى الذي يترتب على سلوكه أكبر، بلا قياس، من أي أذى قد يترتب على كونه «سكّيراً» حتى الأربعين.

والراهن أن الإيمان غدا أساسياً في سياسته الانتخابية، ما أكسبه تأييد «حزام التوراة» في الوسط الأميركي، كما غدا أساسياً في سياسته الحربية، بدليل الصلاة المشتركة مع توني بلير، في مزرعته بكروفورد - تكساس، عام 2002، قبيل ابتداء حرب العراق.

وما لا يُشكّ فيه اننا، هنا، حيال وضع يتجاوز «الصدقية» بالمعنى العقلاني الذي يُسأل عنه السياسيون ويُحاسبون فيه. فالذي يتحدث، مثلاً، عن نجاحات متوالية في العراق فيما الاستعدادات جارية لحماية مترو الأنفاق في نيويورك، رجل يملك من «الحقائق» ما لا يتصل بتاتاً بالحقيقة، ومن «الوقائع» ما لا يربطه رابط بالواقع. وتحجّر كهذا في الخرافة ما يتيح لصاحبه أن يفكرّ في إعادة هندسة العالم، سياسياً واجتماعياً، في معزل عن كل حقيقة وكل واقع.

هكذا يلتقي الخراب والبله ويتكاملان. فإذا كان الإصلاح الديني - المطلوب بإلحاح في العالم العربي كما تقول أميركا بحقّ - يعني الارتفاع الى تأويل غير حَرفي للدين، فما يقوله رئيس «الإصلاح» يهبط بنا من التأويل الحَرفي الى البثّ المباشر. فالعالم، بالتالي، يدفع ثمن انتكاسة خطيرة عن التنوير والعقل الى قراءة «البخت»، ولا تجوز المساواة في المسؤولية عن الانحدار هذا بين منصور إبراهيم وجورج بوش... علماً بأن الأول، وكما أضافت «الوطن» السعودية، «سيحال للمحكمة العامة بعد أن يتم التأكد من أنه مدرك الحواس وذو أهلية شرعية».

ملاحظة: نفى سكوت ماكليلان، ناطق البيت الأبيض، كلام شعث ووصف نقله عبارات بوش بأنه «منافٍ للعقل». ولأسباب سياسية مفهومة، ومحمودة، خفّف شعث الرواية فجعلها تعبيراً بلاغياً لا يعني أن بوش «سمعا همساً في أذنه». كل ما هو معروف عن الرئيس، بما فيه الوارد في كتاب بوب ودوارد «التخطيط للهجوم»، يدفع الى تصديق نبيل شعث الأول.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)