بيان سعد الحريري، رئيس “كتلة المستقبل” البرلمانية، حول تقرير ميليس، كان قوياً بما فيه الكفاية وخطيراً بما فيه الكفاية.

فهو (البيان) كان الأول من نوعه منذ أكثر من نصف قرن تقريباً، الذي يقفز فيه سياسي لبناني فوق الحكومة أو النظام أو الدولة السورية، ليخاطب الشعب السوري مباشرة. في السابق، كان هذا الأمر خصيصة سورية نظرياً وعملياً. والرئيس الراحل حافظ الأسد كرّس قفز دمشق فوق النظام اللبناني ليصل مباشرة إلى الشعب اللبناني عبر شعاره الشهير “شعب واحد في دولتين”.

هذا المبدأ (الذي عنى في العمق ان قيام دولتين برغم حقيقة وجود شعب واحد في سوريا ولبنان، هو لزوم ما لا يلزم)، سمح لدمشق دوماً بأن تكون طرفاً محلياً في السياسات الداخلية اللبنانية في بداية حقبة السبعينات، وصولاً إلى حكم لبنان نفسه أمنياً وعسكرياً وسياسياً في منتصف هذه الحقبة.

الآن، برز في بيروت من يقول لدمشق ان مبدأ الشعب الواحد في دولتين، سيف ذو حدين، أو طريق باتجاهين. وقد آن الأوان الآن كي ينطلق باتجاه هذا الطريق من بيروت إلى دمشق، لا العكس.

بيد أن هذا التطور، على خطورته، ليس الأخطر في بيان الحريري. الاخطر هو انه صدر ليس في باريس أو واشنطن أو بيروت، بل في جدّة، وتوّج بتخصيص المملكة السعودية بشخص ملكها ومصر بشخص رئيسها بالشكر “لتعاونهما مع لجنة التحقيق الدولية ولوقوفهما وقفة الشقيق والصديق، وقفة المنتصر للحق والعدالة”، على حد قوله.

فهل هذا يعني ان سوريا خسرت الغطاء الاقليمي الذي ظللها طيلة 30 عاماً، والذي تجسّد بالمحور الثلاثي السوري المصري السعودي الصلب؟

قلنا في هذه الزاوية قبل نحو الأسبوعين ان القاهرة والرياض يمكن أن تبذلا كل شيء لإنقاذ حليفتهما دمشق، عدا الغرق معها في مستنقع الصدام مع الشرعية الدولية ومجلس الأمن. والآن وقد تعمّق هذا المستنقع مع توجيه ميليس أصابع الاتهام لسوريا، ومع الاستعدادات المحمومة التي تقوم بها واشنطن وباريس لاستكمال إحكام الطوق حول عنق عاصمة الامويين، سيكون مفاجئاً أن تحظى هذه الاخيرة من حليفتيها الاستراتيجيتين بأي نوع من أنواع الدعم الاستراتيجي. فالمصالح شيء، والعواطف شيء آخر. فما بالك إذا كانت هذه المصالح لا تقل عن كونها صراعاً من أجل البقاء، وسط الأعاصير والتسوناميات الأمريكية الحارة والعاتية والمجنونة؟

وهذا المعطى، هو ما يجعل صدور بيان سعد الحريري من جدة بالتحديد، وعلى هذا النحو من الحدة في مواجهة النظام السوري، أول غيث رفع الغطاء الاقليمي عن سوريا. لكنه حتماً لن يكون الأخير، خاصة إذا لم تحدث تطورات ما في دمشق تشجع القاهرة والرياض على مد طوق النجاة إليها، من دون ان تعلقا معها في طوق الخنق.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)