لا يمكن الفصل بين التعامل الاسرائيلي مع المبادرة العربية التي أقرتها القمة العربية الأخيرة في الرياض والانعكاسات العميقة التي كانت لحرب تموز الاسرائيلية على لبنان على جميع دول المنطقة وتالياً على أي تسوية سلمية لإنهاء النزاع العربي - الاسرائيلي.

لقد سعى زعماء الدول العربية عبر تبنيهم مبادرة السلام الى التأكيد على أولوية ايجاد حل سلمي للمشكلة الفلسطينية، واعادة النزاع مع اسرائيل الى رأس جدول الاعمال العربي، الى جانب مشكلة احتلال العراق والمشكلة اللبنانية. وهم في ذلك اعادوا ترتيب الاوراق بطريقة مختلفة مشددين على وحدة الموقف العربي في ظل الرفض الاسرائيلي المتواصل لـ"اليد العربية" الممدودة للسلام،وعملوا ظاهرياً على الأقل على تجاوز الاحتكاك مع ايران الذي فجرته حرب تموز على لبنان بعدما أظهرت المعارك والمواجهات العنيفة التي خاضها "حزب الله" مع الجيش الاسرائيلي مدى النفوذ التي تملكه ايران في لبنان وقدرتها على تهديد اسرائيل في العمق، تماماً مثلما عكست التهديدات الايرانية، وليس العربية، لإسرائيل خلال الحرب بأن كل اعتداء على سوريا ستعتبره ايران اعتداء عليها، مدى قوة التحالف العسكري الذي يشد سوريا الى ايران.

من هنا لا يمكن اسرائيل ان تتعامل مع المواقف العربية الأخيرة من دون الأخذ بالتغيرات والانعكاسات الكبيرة التي خلفتها حرب تموز على مستقبل المنطقة. ففي رأي الاسرائيليين لا قيمة كبيرة للإجماع العربي الأخير لأنه في الواقع لا يعكس تحالفاً عميقاً ومتيناً بين الدول التي اعربت عن تأييدها المبادرة العربية. فواقع الحال اليوم من وجهة نظر اسرائيل ان العالم العربي لم يشهد من قبل مثل حالة الضعف والانقسام التي يعانيها اليوم، وانه يفتقر الى زعامات حقيقية قادرة على حمله على تقبل فكرة السلم او الحرب، وان التحرك العربي الأخير هو محاولة متأخرة للوقوف في وجه الصعود الكبير لنفوذ ايران في الدول العربية والذي بات يهدد أنظمة عربية كثيرة.

لم تكن حرب لبنان الثانية "الحرب الاسرائيلية - العربية السادسة" (بحسب ما وصفتها بعض المحطات الفضائية العربية) وانما كانت وفقاً لوصف الخبير الاسرائيلي في الشؤون السورية ايال زيسار "الحرب الاسرائيلية - الايرانية الأولى". ولا شيء يمكن ان يغير من حقيقة خروج ايران وحليفتها سوريا من هذه الحرب رابحتين نتيجة عجز الجيش الاسرائيلي عن حسم المواجهات العسكرية وتحقيق نصر عسكري.

ولم تنحصر نتائج الحرب الاخيرة على لبنان في هذا القدر من النتائج الكارثية بالنسبة لإسرائيل وانما ربما للمرة الأولى بدأت تظهر بوادر احتمالات تغيير في الستاتيكو القائم بين اسرائيل وسوريا التي حرصت طوال ثلاثة عقود على المحافظة على الهدوء والأمن على حدودها مع اسرائيل، مما يلبي مصلحة اسرائيلية مهمة، ومن هنا رفض اسرائيل اي زعزعة للنظام السوري يمكن ان تؤدي الى نهاية الهدوء على جبهة الجولان.
دعوات الرئيس السوري بشار الاسد الى معاودة المفاوضات مباشرة بعد توقف معارك الصيف كانت ترجمة مباشرة للانتصار الذي حققته كل من ايران و"حزب الله" في لبنان وتوظيفه سياسياً لمصلحة سوريا. والرفض الاسرائيلي الرسمي لهذه الدعوات شجع كلام الرئيس السوري عن ضرورة بحث سوريا عن سبل أخرى لإسترجاع الجولان. وهنا يبدو تعقيد الموقف الاسرائيلي من سوريا.

طوال حرب تموز حرصت اسرائيل على ارسال رسائل تطمين الى الزعماء السوريين بانها لن تهاجم بلدهم وكانت النتيجة ان سوريا كانت اول من اعتبر نفسه منتصرا في الحرب وبدأت فوراً بمطالبة اسرائيل بالثمن. من جهة اخرى تظهر التحقيقات حول الاخفاقات الاسرائيلية في حرب تموز والنقاشات الكثيرة التي دارت حولها ان اسرائيل خرجت ضعيفة حتى امام سوريا التي تشهد وفق التقارير الاستخبارية عملية تسليح كبيرة مما يفسح في المجال امام احتمالات نشوب مواجهة عسكرية معها. ولكن من جهة اخرى مرة اخرى يسارع ايهود اولمرت الى ارسال رسائل تطمين مع رئيسة مجلس النواب الأميركي بان اسرائيل لا تنوي مهاجمة سوريا.
والسؤال هل من الممكن ان تعطي اسرائيل الدول العربية ما رفضت اعطاءه لسوريا المنتصرة في حرب تموز؟

مصادر
النهار (لبنان)