لا أدري ما إذا كان ايهود اولمرت، في وضعه المهلهل، هو القائد الاسرائيلي القادر على فتح مفاوضات سلام مع سورية، لكن الأكيد ان الوقت ملائم لتجربتها. فسورية متورطة حتى أذنيها في مشاكل اقليمية بالغة الخطورة، وإسرائيل اليوم أضعف امنيا من أي زمن مضى.

ومنذ اسحق رابين، رئيس وزراء اسرائيل القتيل، يدرك المتابعون ان سلاماً بين تل ابيب ودمشق اكثر احتمالا وأسهل تنفيذا، رغم كثرة المحطات الفاشلة، منذ مدريد عام 91، ثم مفاوضات 93، وكذلك مفاوضات ميريلاند.

ومنذ اجتماع جنيف بين الرئيس الراحل حافظ الأسد مع الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 والجميع لمس ان سورية مستعدة وإسرائيل مترددة. لم يطرأ تفاوض منذ رحيل الأسد الأب لكن الماضي ترك وراءه جملة تفاهمات مهمة تجعل مستقبل السلام ممكنا إن وجدت النية عند الطرفين. ففي آخر مفاوضات، اقترب الجانبان من الاتفاق على معظم القضايا المعلقة، أهمها انسحاب اسرائيلي كامل من الجولان، خط الرابع من يونيو 67، لقاء انهاء سورية حالة الحرب بما في ذلك تخفيض عدد قواتها المواجهة وإرجاعها الى خطوط آمنة. كما تراجع الاسرائيليون عن شرط انشاء مواقع امنية رقابية اسرائيلية داخل الاراضي المنسحب منها بعد ضمانات اميركية بتزويدهم بمعلومات من الاقمار الصناعية عن الحركة السورية على الجولان. كما طرح الوسطاء فكرة استثمار بحيرة طبريا ثنائيا بدل الاختلاف عليها.

مع هذا فالإسرائيليون الذين ساروا مسافة جيدة في آخر مفاوضات قبل سبع سنين أحجموا عن الانتقال الى صياغة اتفاق بحجة ان مستقبل الحكم في سورية غامض مع تزايد الانباء حينها عن مرض الرئيس حافظ الاسد. وفضلوا الانتظار لمعرفة ما سيحدث لاحقا في خلافة الاسد وسورية ككل، وهكذا تبخرت فرصة أخرى.

وفي آخر حديث تردد من واشنطن قول ان الاسرائيليين راغبون في استئناف المفاوضات، بخلاف الأميركيين الذين يعتقدون ان دمشق تريد الهاءهم بمفاوضات تنقذها من الوضع السيئ الذي تمر به. والحقيقة انه لا يمكن امتحان النوايا إلا من خلال الجلوس والتفاوض وإعطاء السوريين فرصة حقيقية لعرض ما لديهم. وسيكون التفاوض مضيعة للوقت لو بدأ من حيث بدأ في الماضي، بدل ان يبدأ من حيث انتهى المفاوضون، أي اعادة كامل الارض السورية مقابل أمن اسرائيل.

وسورية منذ مفاوضاتها مع هنري كيسنجر في فك الاشتباك بعد حرب 73 وهي تحترم اتفاقها حيث بقيت جبهتها هادئة وعاشت المدن الاسرائيلية غرب الخط الفاصل آمنة.

34 عاما من السلام ليست بالقليلة في علاقات الأعداء ويمكن ان يبنى عليها سلام دائم لكل المنطقة. ولا يهم إن كانت دمشق تفتعل كل هذه المشاكل من اجل دفع الجميع نحو التفاوض معها على سلام عادل، ام انها تريد المفاوضات فقط من اجل التغطية على المشاكل التي تختلقها في منطقتها، الوقت وحده كفيل بالإجابة على الوضع المحيّر اليوم.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)