التأكيد على تسليح المعارضة السورية هو الخط المختلف داخل الحدث منذ أكثر من أسبوع، ورغم تركيز البعض على أن هذا التسليح هو قائم ولو عبر أطراف أخرى وبمعرفة أمريكية، لكن الأمر بات مختلفا نوعيا وهو ينطلق من آلية السياسة الأمريكية، او حتى من "استراتيجية" مختلفة في التعامل مع عناصر الأزمة السورية، فعندما نتحدث عن تسليح المعارضة من خلال تصريح أمريكي فهذا يعني عملية متكاملة لن تقتصر على تسليم سلاح نوعي حسب تصريحات بعض المسؤولين العسكريين للتمرد المسلح في سورية.

عندما تقرر الإدارة الأمريكية تسليح المعارضة فهي تقوم بتهيئة "مسرح عمليات" مختلف، وهذا يعني أيضا أنها ستتواجد في هذا المسرح لأنها مسؤولة عن السلاح الذي سيتم توزيعه، ويمكننا هنا أن نتعامل مع عنصرين على الأقل في هذا الموضوع:

 الأول هو أن التسليح عملية متكاملة، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية ربما تقدم، إذا كانت جادة في هذا الأمر، على هيكلة التمرد المسلح بشكل كامل بحيث يصبح بديلا عن كل التكوينات المعارضة التي ظهرت منذ بداية الأزمة من أجل تسريع الحدث، والهيكلة على ما يبدو وفق كثير من التقارير بدأت بالفعل، وهي ليست فقط أمرا إداريا من أجل عمليات التسليح بل أيضا من أجل صياغة مفهوم للعمليات العسكرية على ما يبدو، فالتشابك داخل التمرد المسلح في سورية يتطلب الكثير من عمليات العزل والقيام بفصل العناصر المسلحة حتى يتم تهيئة مسرح عمليات لا يتشابك مع عمليات جبهة النصرة على الأقل.

من هذه النقطة يمكن فهم بعض التحولات التي حدثت سريعا داخل الملف السياسي للأزمة، فواشنطن لم تعد تراهن على حشد سياسي دولي وراء جهاز معارض خارج سورية، بل هي تسعى لإيجاد قاعدة قوية عسكرية تستند إليها سياسيا حتى لو كانت هذه القاعدة صغيرة أو غير قادرة حاليا على التحرك بديناميكية، فالتسليح كعملية هو تصفية كل ما هو هامشي والتركيز على محور واحد هو تحضير مسرح عمليات مختلف.

 الثاني يرتيط بمسرح العمليات بشكل مباشر، ونحن هنا نتحدث مفاهيم عامة لمسألة "التسليح"، فليس بالضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بإجراءات متتالية، لكنها بالتأكيد ستراجع نوعية العمليات القائمة حاليا التي تركزت على السيطرة الجغرافية، وكان الغرض من هذا الأمر تحديد مناطق حظر جوي أو ممرات آمنة أو غيرها من الأمور لإيجاد نقاط انطلاق، لكن الأمر مختلف اليوم وعلى الأخص مع دخول "إسرائيل" على خط الصراع، وظهور منظومة جديدة فيها حزب الله مهما كان دوره.

إن مسألة السلاح النوعي تعني أن الأهداف ستكون نوعية، وهي بالتأكيد ليس اسقاط طائرة أو تدمير آلية أو احتلال قرية، فالمطلوب اليوم هو الحد مستقبلا من الجيش السوري، أي وضعه في منطقة محايدة من الصراع بحيث تكون المفاوضات المباشرة أسهل، وهذا الأمر لا يتم إلا يهيكلة التمرد المسلح لوضعه ضمن بند رئيسي في أي مفاوضات، وربما طرح دمجه مع الجيش السوري.

بالتأكيد فإن هذا الأمر يتطلب خلق هيبة مختلفة للتمرد المسلح، وهيكلته خارج إطار ما حدث عبر عامين، وربما لم يعد مهما إيجاد متمردين جدد بل الاعتماد على قلة منهم تبرز سريعا على الساحة الإعلامية، وتحقيق حضور سياسي لهم، ولكن في المقابل فهذه القلة ستكون على اتصال مع قاعدة استخباراتية أمريكية ودون الرجوع إلى وكلاء في دول الجوار الجغرافي لسورية.