إن تحرير الأراضي التي كانت تحتلها داعش في العراق (الموصل) وفي سورية (دير الزور)، فضلا عن فشل إنشاء دولة استعمارية فوق الأراضي التي ضمتها أسرة البرزاني، تشير إلى نهاية حقبة الاضطرابات في المنطقة.

يدرك الآن كل الفاعلين في المنطقة ضرورة الاستفادة من انسيابية هذه اللحظة، قبل إقدام الرئيسان ترامب وبوتين على إقرار نظام إقليمي جديد خلال اجتماعهما يومي 8 و 9 تشرين الثاني في فيتنام.

إسرائيل التي فشلت سابقا بإنشاء كيان انفصالي درزي حول الرائد المنشق خلدون زين الدين، تحاول مرة أخرى دفع مشروعها بإقامة دويلة درزية "درزستان" بعد نفض يدها من إمكانية قيام "كردستان العراق".
لهذه الأسباب مجتمعة، سارعت إسرائيل إلى الإعلان عن استعدادها لحماية "حضر" من الجهاديين الذين هاجموها مؤخرا. لكن المناورة الإسرائيلية لم تنطلي على أحد، فأدينت سلفا، لأن الجميع يعلم أن هؤلاء الجهاديين تسلحهم تل أبيب.

أما تركيا فقد أنشأت حكومة سورية بديلة في إدلب، على غرار قطر التي أنشأت في السابق الائتلاف الوطني السوري. وهنا أيضا، أدينت المناورة التركية سلفا. بيد أنه بوسع أنقرة الاستمرار في محاولات ضم محافظة إدلب إليها، طبقا للوعد الذي قطعه الرئيس اردوغان "للكماليين" باسم "القسم الوطني" لعام 1920.

قطر، التي لا تزال متأثرة ببريطانيا، تستعيد السيطرة على الجماعات الجهادية واحدة تلو الأخرى. وقد تمكن الأمير تميم في 15 و 16 تشرين أول من استرداد رئيس الوزراء الماليزي، الذي كان حتى ذلك التاريخ رجل السعودية. وجنبا إلى جنب مع الرئيس أردوغان، عززت قطر النظم المناهضة للصين في ميانمار من خلال دعم جهاديي الروهينجا.

جاءت المفاجأة من السعودية. لم يكن لدى العائلة المالكة المترهلة الوقت الكافي لفعل أي شيء، إلى أن أطاح بها الطاغية الجديد، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ففي غضون ساعات قليلة، تمكن من إجبار رئيس الوزراء اللبناني على إعلان استقالته، وزج جميع الذين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه عرش المملكة، في السجون. لم يُقدم ولي العهد على إقصاء أفراد العائلة المالكة بناء على أفكارهم، أو مسؤولياتهم، بل لقدرتهم على معارضة سلطانه. فصار لزاما عليه أن يترفع الآن لإثبات شرعيته، عن طريق تحديث بلده فعلا. مما سيضطره إلى إلغاء وصاية "المُحرم" للحصول على دعم النساء، وحث الرجال على العمل. كما سيترتب عليه قبل أي شيء آخر، ليس فقط تحديث ديانة بلاده فحسب، بل أيضا تنظيف الأحاديث الشريفة من المقاطع المتناقضة والعنيفة، بمعنى إصلاح ممارسات القرون الأخيرة من الإسلام.

إن انتقال المملكة العربية السعودية من دكتاتورية ظلامية، إلى ديكتاتورية متنورة، لم يكن متوقعا أن يحصل إلا بفضل روسيا. لقد انتهز الرئيس فلاديمير بوتين الفرصة لدى استقبال الملك سلمان في موسكو في 5 تشرين أول الفائت ليوافق على بيعه صواريخ اس-400 ، تماما مثلما فعل مع حليف آخر للولايات المتحدة، تركيا.

وإذا كان ينبغي على دول المنطقة بأكملها الاستفادة من ضربة القصر الملكي السعودي، فإن الولايات المتحدة وروسيا، هما المستفيدتان الوحيدتان في الوقت الراهن. وبالمناسبة، سيترتب على المملكة تقديم عروض الاستحواذ على شركة أرامكو في وول ستريت، وليس في الرياض. لذا سارعت موسكو إلى توقيع اتفاق مع السعوديين في 3 تشرين أول الماضي في طشقند، يقضي بالحفاظ على حصص إنتاج النفط، حتى بعد خصخصة شركة أرامكو. مما يعني أن المضاربة على النفط سوف تستمر بهذه الطريقة، مثلما سيستمر معها ارتفاع أسعار النفط.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #2766
(PDF - 150.6 كيليبايت)