عندما تم تخيل أسس القانون الدولي لأول مرة في عام 1899، كان الهدف من ذلك منع الحروب بين الدول من خلال التحكيم. وعندما أنهت الإمبراطورية البريطانية استعمارها لفلسطين، ونشب بعدها الصراع العربي-الإسرائيلي، لم ينفعها القانون الدولي بشيء، لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية ولا دولة يهودية. لذا فقد تم استنباط قواعد غير متناسقة، صارت تعتبر، ظلماً وبهتاناً، غير قابلة للتغيير.

وهكذا رفض كلا الطرفين المتنازعين تلك المباديء التي وضعتها الدول المؤسسة للأمم المتحدة، ومن بينها سورية، إبان خطة تقسيم فلسطين. وعندما أعلن يهود فلسطين " الايشوف" من جانب واحد قيام دولة إسرائيل، ومارسوا على الفور سياسة تطهير عرقي على نطاق واسع، اكتفت منظمة الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الجديدة ، لكنها أرسلت على الفور الكونت فولك برنادوت الذي قام بمعاينة الواقع على الأرض، وتدوين جرائم إسرائيل، والدعوة إلى تقليص مساحة أراضي الدولة اليهودية إلى الثلثين، لكنه اغتيل على يد أحد عناصر عصابة شتيرن التابعة لاسحاق شامير، قبل أن يتمكن من تقديم تقريره في نيويورك.

والآن، بعد أكثر من سبعمئة قرار للجمعية العامة، وما يزيد على مئة قرار لمجلس الأمن، لايزال الصراع محتدماً، ولا يوجد أي حل في الأفق.

انطلق الرئيس ترامب بخطته من الاستنتاج التالي:

 طهرت إسرائيل عرقيا الأرض التي اقتطعتها لنفسها في عام 1948، وشنت حرب الأيام الستة عام 1967، وربحتها.

 شن الفلسطينيون حرب أيلول الأسود عام 1970 في الأردن، وحرب 1975 في لبنان، وحرب 1990 في الكويت، وفي الحرب على سورية عام 2011، وخسروها جميعاً.

ولا يبدو أن أياً من الطرفين المتنازعين مستعد لتحمل عواقب أفعاله.

لقد تم تشويه الحوار حول هذا الموضوع، منذ أن رفض ياسر عرفات تهميشه إبان عملية مدريد للسلام، والتخلي عن مشروع الدولتين على أساس المساواة بين العرب واليهود، وانتهاك خطة التقسيم لعام 1948 من خلال التوقيع على اتفاقات أوسلو.

مبدأ "حل الدولتين"، الذي تخيله اسحق رابين، الحليف السابق لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ليس سوى محاولة لإقامة بانتوستانات فلسطينية كامتداد لما أسماه الرئيس جيمي كارتر "الفصل العنصري الإسرائيلي". أي أنه ابتكر خطة سلام كان ينفذها بصمت خلال العامين المنصرمين، ابتدأها في السادس من كانون الأول عام 2017 حين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من دون تحديد لحدودها، عاقداً الأمل على أن تنتقل السلطة الفلسطينية من رام الله إلى القدس الشرقية، ثم أتبعها بقرار إلغاء التمويل الأمريكي للأونروا، لإجبار المجتمع الدولي على التوقف عن رعاية الوضع الراهن. الأمر الذي أثار غضب السلطة الفلسطينية، وأدى إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين رام الله وواشنطن. ثم توج سلسلة قراراته المتلاحقة باعتراف الولايات المتحدة بالاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري، أملاً في أي يؤدي ذلك إلى فتح مفاوضات مباشرة مع دمشق، لكنه لم يحصد سوى التنديد من 193 دولة.

وأخيراً، تفاوض على اتفاق بين إسرائيل وحماس يفضي إلى تعهد دولة قطر بدفع رواتب الموظفين في غزة.

أما الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض هذا الأسبوع، فهي في الواقع وثيقة للاستخدام الانتخابي في الولايات المتحدة، وليست خطة سلام نهائية.

لذلك، وبدلاً من النواح وشجب الأمر الواقع، نحن أحوج مانكون إلى أن نفهم، إلى أين يريد البيت الأبيض أن يصل.

دونالد ترامب، هو رجل أعمال، وضع على الطاولة خطة غير مقبولة، تهدف إلى نيل ما هوأقل مما يطمح بكثير، لكنها توصل إلى السلام.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #3330
(PDF - 167.1 كيليبايت)