بدأت اسرائيل تشعر بحاجة ماسة الى اعادة النظر في سياستها التقليدية تجاه الدول العربية وتصنيفاتها التقليدية لها بين دول صديقة واخرى عدوة، وذلك في ضوء التغييرات المتسارعة التي تعيشها هذه الدول في اعقاب حرب الخليج ومحاولات الادارة الأميركية نشر الديموقراطية ودعوة الأنظمة العربية لا سيما الصديقة منها الى التجاوب مع تطلعات شعوبها نحو الديموقراطية والحرية والسماح لهذه الشعوب باختيار ممثليها بحرية.

حتى الآن لم يرشح الكثير عن اعادة النظر هذه عبر وسائل الإعلام باستثناء المقال الذي كتبة مسؤول في وزارة الخارجية الاسرائيلية يدعو فيه الى ارساء سياسة اسرائيلية جديدة تجاه الدول العربية لا تستند بالضرورة الى النظرية الأميركية التي تقوم على تشجيع التيارات الإسلامية السنية المعتدلة واعتبارها الوسيلة الفعالة لمواجهة الإسلام الراديكالي المتمثل بـ“القاعدة” وبن لادن.

ورغم يقين الإسرائيليين ان مشروع نشر الديموقراطية الذي تتبناه ادارة بوش والذي لا تنفك تدعو له وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في كل خطاب تتوجه به الى المسؤولين في الدول العربية يمس صلب أمنها واستقرارها في المنطقة، الا انهم يبدون خارج ما يحدث رغم ان المشروع الأميركي لدمقرطة الأنظمة العربية يستند في جزء كبير منه الى كتاب الوزير السابق في حكومة شارون ناثان شارانسكي. والظاهر حتى الآن ان الاسرائيليين ليسوا متحمسين فعلاً لعملية التغيير التي تدعو اليها رايس، لا بل هم حذرون ومتوجسون مما قد تسفر عنه هده التغييرات من مفاعيل سلبية عليهم لاسيما أنهم يتعاطون يومياً عبر مشكلة الفلسطينيين في الضفة وغزة مع النوعين من الاسلام :الاسلام المعتدل الذي تمثله السلطة الفلسطينية بزعامة ابو مازن، والراديكالي المتمثل بحركتي“حماس” و“الجهاد الاسلامي”.

وأكثر ما اثار قلق الاسرائيليين في الفترة الأخيرة تحليلات اميركية جديدة رأت ان الطريقة الناجعة لمواجهة الاسلام الراديكالي هي في افساح المجال لرجال الدين الراديكاليين لتولي السلطة في بلادهم الأمر الذي سيسرع في انهيار قوتهم السياسية وتبدد شعبيتهم نتيجة انقلاب الرأي العام عليهم بعد فشل ادائهم في السلطة . ومن اهم الداعين لهذه النظرية راوول مارك غيرشت احد الباحثين المرموقين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط وصاحب كتابThe Islamic Paradox: Shiite Cleircs, Sunni Fundamentalists and The Coming of Arab Democracy" الصادر عام 2004.

يقول غيرشت في كتابه: «علماء الدين الشيعة والراديكاليون السنة هم خلاصنا للحؤول دون وقوع 11 ايلول جديد». وذلك بعكس كل النظريات التي تقول ان الإسلام المعتدل هو الطريق لمواجهة التطرف الإسلامي.ففي رأي الكاتب الاسلام الراديكالي هو المشكلة والحل في آن واحد. فترك المجال لهذا الاسلام الأصولي الذي يمثل وفقاً لتقديراته 10الى 15 في المئة من مجموع المسلمين في العالم هو أفضل طريقة للقضاء عليه ومحاربته. وأفضل نموذج على صحة هذه النظرية النظام الايراني الذي يحكمه آيات الله الذي تولى الحكم عام 1979بعد سقوط الشاه والذي بات اليوم بعد 26 سنة على تولي السلطة في حكم المنتهي. فالإسلام الراديكالي هو العلاج الناجع للأصولية الإسلامية تماما كما قضت الأنظمة الشيوعية على نفسها بنفسها. دليل آخر يقدمه غيرشت هو النتائج الكارثية التي تسبب بها القمع الجزائري للإسلام الأصولي هناك عقب الانتصار الذي حققه في الانتخابات الجزائرية عام 1992، الامر الذي ادى الى حرب أهلية دموية في الجزائر. يخالف الكاتب الادارة الأميركية في رأيها قائلاً: دعوا علماء الدين يخوضون الانتخابات ويصلون الى السلطة بهذه الطريقة سينكشفون امام جمهورهم ويخسرون شعبيتهم.

يرد الكاتب دانيال بايبس على هذه المقولة التي يجدها منطقية الى حد ما، ولكن محفوفة بالمخاطر، فنظام آيات الله في ايران كلف الإيرانيين حربا طاحنة ضد العراق دامت 6 سنوات، ناهيك بالأضرار التي أسفر عنها تصدير الثورة الإسلامية الى دول المنطقة. وفي رأي بايبس انتقال الدول العربية من طور الانظمة الاستبدادية الى الديموقراطية يجب ألا يمر عبر تسلم التيارت الاصولية الاسلامية السلطة وهو يتشبث بنظريته القائلة:الاسلام الراديكالي هو المشكلة و الاسلام المعتدل هو الحل.

يدخل هذا الجدل في صلب الخلاف الفلسطيني - الإسرائيلي حول موضوع اشراك المنظمات الفلسطينية الاسلامية الراديكالية في التمثيل السياسي. تتخوف اسرائيل ومعها الإدارة الاميركية من ان تؤدي الإنتخابات التشريعية الفلسطينية الى فوز باهر للتيارات الراديكالية وتضغطان على السلطة الفلسطينية لنزع سلاح هذه التنظيمات قبل الانتخابات التشريعية، في الوقت الذي تبدو فيه السلطة الفلسطينية عاجزة تماما عن القيام بهذه المهمة.

مصادر
النهار (لبنان)