حتى زيارة قصيرة الى هذا الميناء العراقي الجنوبي تركتني مقتنعا اننا ندخل الان مرحلة النهاية. فالاقتراع العراقي القادم، في شهر اكتوبر(تشرين الاول)، حول الدستور الجديد، والاخر في شهر ديسمبر(كانون الاول) حول البرلمان الجديد، ستوضح للاميركيين ما اذا كان الاجدى البقاء، هنا ام لا، لفترة اطول.

وبالرغم من كل الحماقات المحرجة لرامسفيلد، فالعراق في نهاية الامر، سيصبح دائما ما يقرره العراقيون له. والأغلبية العراقية ـ الشيعة والأكراد الذين يمثلون 80 في المائة من سكان هذا البلد ـ عرضوا وجهة نظرهم. يريدون عراقا غير مركزي ويسمح لكل من تكويناته الطائفية والعرقية بإدارة شؤونها وثقافتها ـ بدون الخوف، مرة اخرى، من الوقوع تحت سيطرة، والتجريد من انسانيتهم بواسطة نظام أقلية سني في بغداد مدعوم بسلاح النفط. وبنفس الاهمية فقد اوضح الاكراد والشيعة عدم رغبة في اطلاع السنة كيف يعيشون وسيقدمان لهم جزءا من عائدات النفط ويحافظان على هوية العراق العربية. ولذا فنحن نعرف نوعية الاغلبية التي يريدها كل من الاكراد والشيعة، والسؤال الان هو ما نوعية الاقلية التي يريدها السنة. هل يريدون ان يصبحوا مثل الفلسطينيين ويقضون المائة عام القادمة يحاولون تحريك العالم العربي والإسلامي لتغيير مسار التاريخ، واستعادة «حقوقهم» لحكم العراق كأقلية، وهي خطوة ستدمرهم وتدمر العراق، أم يريدون احتضان المستقبل؟ اعرف ان السنة يشعرون بالرعب من نفوذ ايران في الاقليم الجنوبي، ولكن كما سيقول لك البريطانيون الذين يديرون منطقة البصرة، فشيعة العراق مهووسون بخوف الوقوع تحت سيطرة ايران. وبالرغم من العلاقات الثقافية والتجارية المتزايدة مع ايران، فهم ينتمون للعراق اولا. ويمكن دعم هذا الاتجاه فقط اذا ما احتضن السنة الدستور الجديد وسمحوا لواشنطن بمنح السنة قطعة اكبر من الحصة.

يقول مسؤول اميركي كبير في بغداد: «لدينا الكثير من المصالح المتداخلة مع سنة العراق». ففي المراحل الاخيرة من مفاوضات الدستور في العراق، كان السفير الاميركي الموهوب في بغداد زالماي خليل زاد، يتصرف كمحام للسنة في التعامل مع الاكراد والشيعة. المشكلة هي ان السنة لم يعرفوا متى يقولون نعم «هذا يكفي»، وشعرت أميركا بالإرهاق من مطالبتهم بحجم اكبر مما يستحقون.

هل يدرك السنة العراقيون مصالحهم، وهل للعالم السني أي مرجعية أخلاقية ؟ حتى الان وقف العالم العربي السني صامتا، بينما البعثيون والجهاديون السنة في العراق يمارسون ما يمكن تسميته «تطهيرا اثنيا»: قتل المدنيين الشيعة بأعداد كبيرة لأنهم شيعة فحسب، على أمل استعادة النظام الذي كان يهيمن عليه السنة في العراق وهو ما لا يمكن فعله. وقد صدرت مؤخرا فتوى ضد لاعبة تنس هندية مسلمة تدينها لارتدائها تنورة قصيرة، ولكن لم تصدر أي فتوى من رجال الدين السنة تدين مذابح الزرقاوي بحق الأطفال والمعلمين الشيعة العراقيين.

لقد بدأ بعض السنة الشجعان برفع أصواتهم. وكتب عبد الرحمن الراشد في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية ان «احدى الظواهر الأكثر غرابة في الوقت الحالي هي رفض الحكومات العربية ادانة الأعمال الارهابية في العراق أو مواساة الضحايا». وأضاف قائلا «خذوا آخر المذابح حيث فقد ما يزيد على 200 عراقي أرواحهم خلال يومين.. لم ترفع حكومة عربية صوت ادانة، على الرغم من ان معظمها اعترض بشدة عندما أخفق الدستور العراقي الجديد ان يشير الى ان العراق جزء من الأمة العربية. لقد كان الموقف العربي الرسمي تجاه العراق يفتقر الى الارادة على الدوام». ولهذا نحن نترنح في العراق اليوم، ويعود أحد أسباب ذلك الى افتقار فريق بوش الى الكفاءة، وكذلك بسبب الفراغ الأخلاقي في العالم العربي السني. وقد يكون المتشائمون الأوروبيون على حق، وقد يكون الجيران بعيدين عن التحول، وسيصبح ذلك جليا في الشهور القليلة المقبلة حيث نرى على وجه التحديد أي نوع من الأقلية يريد السنة ان يكونوا. فإذا ما غيروا موقفهم فان حصيلة متواضعة في العراق ما تزال ممكنة، ويتعين علينا أن نبقى للمساعدة على بنائه. وإذا لم يحصل ذلك فإننا سنضيع وقتنا. يتعين علينا أن نسلح الشيعة والأكراد ونترك سنة العراق يحصدون الريح. يجب ان لا نلقي بمزيد من أرواح الأميركيين الطيبين من أجل أناس يكرهون الآخرين أكثر مما يحبون أطفالهم.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)